ترجمة الفصل الاول من رواية بوابة الما لا نهاية ل مايك كاري





رأت هاديز تامبوال نهاية العالم قادمة من بعيد

كانت تتفلسف في البداية حول هذا الأمر . وبدي لها ان منبع الكارثة الوشيكة كامن بقوة في طبيعة البشر ، لذا لم تجد فائدة في القلق بشأنها. إن الرغبة في أن يكون العالم في حالة أفضل مثلها مثل الرغبة في أن يكون التاريخ بأكمله قد حدث بشكل مختلف. وهو امرا مستحيل تحقيقه

اتهمت هاديز - من قبل والدتها وآخرين - بأنها باردة الدم عديمة المشاعر. وقد استاءت وقتها من هذا الادعاء ، لكنها أدركت فيما بعد بعض الصحة فيه. بالتأكيد هي تعزل نفسها عن الاخرين ، ذات تفكير عقلي ومن الصعب علي الاخرين تكوين علاقة معها ، ولا تميل إلى التقرب اليهم ان حاولوا ذلك. فعاشت وحيدة باختيارها، تبذل قصارى جهدها للبقاء بعيدًا عن شبكة العلاقات والالتزامات الكبيرة التي تشكلها عائلتها الممتدة. وان أحبت عماتها وأعمامها وأبناء عمومتها كثيرًا، الا ان تلك الأمور أصبحت معقدة. ومن الأسهل أن نحبهم من مسافة بعيدة. تجنبت الصداقات أيضاً، بسبب التعقيدات التي كانت تصحبها؛ وتفرض عليها محاولة استشعار دوافع ورغبات الآخرين، والتي هي دوما أكثر غموضًا وتشويشًا من دوافعها ورغباتها. مشبعة احتياجاتها الجنسية في لقاءات قصيرة متبادلة المنفعة

ذات بشرة شبه سوداء، وشعر مموج كثيف وانف مسطح ، وكان طولها الكبير أكثر لفتًا للانتباه من جمالها ، الا انها لا تواجه أي مشكلة في العثور على رفيق فراش ليوم أو ليلة. مفضلة البقاء مع نفسها فقط ، وهو أمر لم تعتبره عيبًا في شخصيتها أو عائقًا. وفي تخصصها، فيزياء الجسيمات، وجدت ما يكفي من الانطوائيين.

ولكن مع اشتداد موجات الجفاف والمجاعات، وتخثّر الهواء واشتعال حروب الموارد، وجدت هاديز أن عزلتها المعتادة صارت أكثر صعوبة. ومن وجهة نظر شخصية بحتة، كانت تفضل عالمًا يحتوي على فن وموسيقى وأدب على عالم لم يعد يحتوي عليه. فرأت ان اختفاء نظام بيئي غني بالتنوع والتعقيد بمثابة هدر فاضح. وأكثر من ذلك ، كانت تحب عملها وتكره تركه غير منتهي. الا ان خراب الحضارة قد جاء في وقت غير مناسب

لا بد من القول أن لديها منظور جيد للأمور. عاشت هاديز وعملت في كامبس كروس، منشأة الأبحاث الأكثر ثراءً ليس فقط في نيجيريا، بل في القارة الأفريقية بأكملها، وعلى الأرجح في العالم. محاطة بعلماء في الجيوفيزياء والكيمياء الحيوية والمهندسين ممن يحاولوا التفكير في طريقة للخروج من الصندوق الذي حبس البشر انفسهم فيه وقد عرفت ذلك من وسائل الإعلام ومن المحادثات مع زملائها المطلعين للغاية علي مدى سوء الأمور على في الكوكب بأكمله وما هي الحلول بعيدة المدى التي طبقت محتفظة بها في سجل خاص لديها بالتدخلات التي انتهت بالفشل

كان كامبس كروس مشروعًا جانبيًا صغيرًا مملوكًا للكنيسة الكاثوليكية وثلاثة مليارديرات رأوا جميعًا كل علي حدة أن العالم قد صار الآن في وضع سيء للغاية لدرجة أن ثروة كل واحد منهم لن تكون كافية لحل هذه المشكلة. فقاموا بتجميع مواردهم، أو على الأقل بعض منها، في صندوق استثمار مالي غير خاضع لهم لإدارة المبالغ المالية الهائلة التي ضخوها في مشروعات يائسة لانقاذ البشرية . وتمكنوا من جذب العديد من العقول الرفيعة جدًا - رغم رفض بعض منهم بسبب شروط العقد الصارمة ، ومقابل الراتب العالي جدا تنازل الباحثون عن جميع حقوقهم عن ثمار عملهم والتي ستعود حصرا لأولئك المؤسسين الأربعة أو كما يشار إليهم غالبا بالرب والقدر.

جاءت هاديز إلى كامبوس كروس لنفس السبب الذي دفع بمعظم زملائها إلى ذلك، حيث رأت أن أي عمل لا يرتبط بشكل مباشر بمشكلة إنقاذ العالم هو مضيعة للوقت. لم تكن تخدع نفسها بشأن أرباب عملها. مدركة ان هؤلاء المليارديرات لديهم بيض في سلال أخرى، من ضمنها مستعمرات وسفن فضائية ، هم سيبقون إذا استطاعوا، لكنهم على استعداد للفرار إذا اضطروا لذلك.

كان اقامة هاديز في موقع المشروع سرًا لا يعرفه احد . فأي شخص آخر كان يعرف ان لديها شقة في منطقة تسمى إيكويي في منتصف الطريق الي لاجوس . الا ان موقع المشروع كان بعيدًا عن المناطق الحضرية للمدينة، والوصول إلىه عبر وسائل النقل العام تجربة مرهقة لا يمكن ضمانها بإزدياد ، وصارت إمدادات المياه في منطقتها السكنية ملوثة بالهرمونات . ثم حدثت تكرار لانقطاع للتيار الكهربائي نجم عن فشل سد شيرورو عن تزويد النصف الشرقي من المدينة بالطاقة الكهرومائية. وصار انقطاع التيار الكهربائي نمط حياة يومي في لاغوس ، حتي صارت فترات الانقطاع أطول وأكثر تكرارا بتقلص نهر كادونا إلى تدفق ضعيف. وعندما طفح الكيل أخيرًا، حزمت هاديز بعض الملابس ورحلت بهدوء، دون إخبار أحد أو طلب الإذن من أحد.

في أصغر مخازن مبنى مختبرها، اعدت سرير قابل للطي وثلاثة صناديق بلاستيكية لتكون بمثابة خزانة ملابسها. وهناك مرحاض بالجوار ومكان استحمام في صالة الألعاب الرياضية على بعد مسافة قصيرة سيراً على الأقدام. للمبنى مولد كهربائي خاص به، ومصاريع أمان فولاذية تهبط بعد ساعة من غروب الشمس لتحجب عن العالم. لم تكن هاديز منزعجة في أغلب الأحيان، خاصة بعد توقف مساعديها الأربعة، عن الحضور إلى العمل.واحدًا تلو الآخر، ولم يكونوا الوحيدين. في المطعم رأت زملاء - كانت مشروعاتهم تتطلب عمالة كثيفة عنها - يبكون لأنهم اضطروا إلى تقليص او التخلي عن برامجهم البحثية بعد أمضوا فيها سنوات من حياتهم. كانت سعيدة لأن عملها لا يتطلب عقلًا أو قوي عضلية غير عقلها وقواها ، وابقت علي مشروعها في طي الكتمان وواصلت بحثها، منحنية الرأس والكتفين بينما يغرق العالم والحضارة بأكملها بشكل جامح

العالم شيء حقيقي قابل للمس ولكننا نختبره كفكرة مجردة. بمجرد انتقال هاديز إلى كامبوس كروس، لم تغامر مطلقًا بالذهاب إلى لاغوس، لذلك، بصرف النظر عن الأخبار التلفزيونية وبعض المواقع الجدلية، كانت منظورها عن كيفية تغير الأمور صغير وفي نطاقها المحلي حولت الحرائق في ليكي وجزيرة فيكتوريا السماء إلى اللون البرتقالي الزاهي وملأت الهواء بالرماد لمدة ثلاثة أسابيع. وأعقب ذلك ضباب ساما بشكل مروع، مليئًا بالألدهيدات والأحماض الكربوكسيلية.

صمد مجلس إدارة الحرم الجامعي لفترة من الوقت، عبر توزيع الأقنعة وأجهزة مراقبة حالة الهواء، لكنهم في النهاية استسلموا لما لا مفر منه. وعرضوا أجورًا مضاعفة لموظفي الخدمات للاستمرار في حضور نوبات عملهم ، لكنهم سمحوا للبقية بالبقاء في المنزل في إجازة لأجل غير مسمى.علي اعتبار أن العلماء سيتدبروا امرهم بأنفسهم بطريقة أو بأخرى ولن يتخلوا عن عملهم الجاري. و وخلال عمل هادز الي وقت متأخر من الليل، كانت تحصي اضواء نوافذ المباني المجاورة. فكان هناك عدد أقل في كل مرة. وفي بعض الليالي لم يكن هناك شيء على الإطلاق وكان مختبرها هو الشمعة الوحيدة المضاءة التي تلعن الظلام.

جاءت الهزات بعد ذلك، وكانت بمثابة الصدمة. حيث اعتقد لفترة طويلة أن نيجيريا - التي تقع على صفيحة تكتونية وحيدة - محصنة ضد الصدمات الزلزالية. وحتى عندما نقحت تلك التخمينات في أوائل القرن الحادي والعشرين، كان الرأي السائد هو أن الجنوب الغربي من البلاد فقط هو المعرض لخطر كبير. الا ان الهزات جاءت على أي حال ، انهار قصر اوبا والكاتدرائية. في Campus Cross اظهرت الشقوق الارضية وانتشرت عبر جدران المباني . وانهار معها جزء من مبني الإدارة، ولكن لم يصب أحد بأذى. حيث ان المكاتب مهجورة منذ أسابيع.

أدى النشاط المتزايد للطاقة الحرارية الأرضية ليس فقط في أفريقيا ولكن في جميع أنحاء العالم إلى تدهور جودة الهواء إلى مستويات جديدة ومثيرة اكثر للقلق. حجبت الغيوم الكثيفة ضوء الشمس، فصار النهار مظلمًا مثل المساء. وكانت الكلاب البرية تتجول في الحرم الجامعي دون ان يطاردها أحد. وجدت هاديز طريقًا داخليًا إلى المطعم ،عبر المرور علي ثلاثة أقسام مجاورة متجنبة الخروج. كانت تخدم نفسها هذه الأيام، وتترك ورقة موقعة في كل مرة مقابل الطعام الذي تتناوله.

تراكمت تلك الاوراق . وامتد الغبار فوقها، مثل ما حدث مع كل شيء آخر.
ء Infinity Gate by M.R. Carey

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري