ترجمة الفصل الثاني من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري





بعد فترة طويلة من فقدان الأمل، حين ساد الاستسلام واليأس ، أثمرت أبحاث هاديز عن نتائج غير متوقعة. كانت تبحث في الطاقة المظلمة، حيث وضعوا نظرية لوجودها ولكن لم يتحققوا ابدا من إثباتها . وكانت الحاجة إلى الطاقة المظلمة لاجل تفسير معدل التوسع المرتفع المثير للريبة في الكون. الا انهم لم يقوموا بملاحظة الجسيم الأولي الذي يتوسطه من قبل ، افترضت هاديز أن هذا الجسيم لن يوجد أبدًا - لا على سطح كوكب الارض ولا بين الافلاك والنجوم لأن توزيعها الزمكاني متناسبًا عكسيًا مع شدة مجالات الجاذبية للاجسام الكونية. لذا الموطن الطبيعي للجسيم هو الفراغ بين المجرات.

من المؤكد أن جهود هاديز المبكرة لعزله في المختبر قد باءت بالفشل التام. فلم يكن المسرع التقليدي لديها على مستوى المطلوب. وكذلك بيئة الجاذبية التي أنشأتها عديمة الفائدة بالمثل. كانت بحاجة إلى انشاء بيئة تشبه في جميع النواحي الظروف الموجودة في الفضاء البين مجري وهذا أمر صعب تحقيقه في نطاق جاذبية كوكب الارض.

رأت ان افضل حل هو إجراء تجاربها على محطة في مدار الارض على ارتفاع 400 كيلومتر على الأقل. الا ان جماعة "الرب والقدر" اعترضت على هذا الإنفاق ولم تتمكن حلول "هاديز" منخفضة التكلفة من الوصول إلى أي نتيجة على الإطلاق. فوصلت ابحاثها الي طريق مسدود.

قال عالم الذكاء الاصطناعي أندريس باجدوناس مقترحا "ربما حان الوقت لربط نفسك بمشاريع اخرى"، . حين صادفته في المطعم بعد ان كفت عن العمل وقد ظلت تعمل لفترة وصلت مدتها لستة وثلاثون ساعة لتتناول وجبة ربما تكون فطورًا أو عشاءً أو وجبة خفيفة بعد منتصف الليل. قبل ذلك لم يتبادلا الحديث إلا نادرا، . الا ان هاديز في ذلك الوقت كانت تشعر بجوع للصحبة فكانت سعيدة بمشاركة احد لطاولتها. واصل باجدوناس قائلا "أعني أن موعد بحثك قد انتهى ، أليس كذلك؟ وكان يجب أن تكوني على بعد سنوات من حصول نتائج".

كان هذا الموضوع حساسًا بالنسبة لها . هي تدرك نظرة الفيزيائيين الآخرين إلى بحثها، باعتباره بحثًا بحتا،، ودون صلة بالاهداف الكبري للمشروع ولاجله شقت طريقها إلى الحرم الجامعي وبسببه يهدر المال الذي كان من الأفضل إنفاقه في مكان آخر.

قالت له في عدوانية "أنت تعلم أن الطاقة المظلمة تشكل 68% من إجمالي الطاقة الموجودة في الكون، أليس كذلك؟" .

نزع باجدوناس نظارته دون الإطار منظفا اياها بمنديله. هل شعره كان رماديًا حين اقاموا لأول مرة في لاغوس منذ ثلاث سنوات، أم ان ذلك استجد عليه؟ لم تستطع هاديز التذكر . اعترف قائلاً: "أعرف ذلك وربما أخبرتني به في مناسبة سابقة."

"ما نعانيه الآن يرجع إلى سوء استخدام مصادر الطاقة الموجودة بطريقة أو بأخرى. إذا تمكنا من تسخير الطاقة المظلمة، ومراكمتها، وتوليدها." هزت كتفيها، كما لو أن باقي جملتها واضح جدًا بحيث لا يحتاج إلى ذكر.

قال باجدوناس: "اري ان كل هذا افتراضات كبيرة".

"بالطبع هم كذلك. لا شيء مؤكد. من المفترض أن ندفع حدود العلم، أليس كذلك؟ وماذا عن روبشي؟ ما الفائدة من ورائه؟"

كانت روبشي مشروع باغدوناس البحثي ، أكثر نظم الذكاء الاصطناعي شبه الذكية تطورًا على الكوكب بأكمله. وقد اطلق عليها هذا الاسم لشخصية من روايته المفضلة، إلهة هبطت من السماء وساعدت البشر بكل ما لديها من قوي . اكملت هاديز بطريقتها الدفاعية قائلة "كان بامكانهم الحصول علي نفس ثماره بإضافة سيرفر اخر."

هز باجدوناس رأسه " لا. لا لا لا. روبشي مختلفة. انها لا تعالج الأرقام فقط. بامكانها تقديم رؤى . أفكار. اتجاهات جديدة. يجب عليك استشارتها بشأن المأزق الذي تمري به. أعتقد أنك ستندهشي."

سألت هاديز "هل تستخدم دوما ضمائر المؤنث عند التحدث عن كود برمجي؟" لتتجنب دعوته مفضلة أن تحل مشاكلها بنفسها دون ان تكون مدينة لأحد.

"سأخبرك ، بالنسبة لروبشي من الصعب عدم وصفها بضمائر العاقل . فهي تقف عند حافة الوعي.

"وهل تعتقد أن النساء كذلك ايضًا يا أندريس؟"

احمر وجه باجدوناس قائلا. "ليس هذا ما أقصده. من الصعب عدم استخدام الضمائر الشخصية، لأن التفاعل مع روبشي في غرض كان مثل التفاعل مع إنسان.

"ايا كان. حين تعطي آلة اسمًا أنثويًا، فإنك ترسم تاريخًا إشكاليًا.

"لم أكن أقصد ذلك. أعدك في نظام الذكاء الاصطناعي التالي سأطلق عليه كينيث أو فيمي. لكني قصدت ما قلته. يجب عليك الاتصال بروبشي على كمبيوتر مختبرك واستخدامها - اسف اقصد استخدام هذا الشئ - لتتعامل مع مشكلتك. ولن تندمي. على أية حال، سأرسل لك كلمات المرور ."

"شكرًا جزيلاً لك".

خلال الأسابيع التالية، جربت عدة طرق مختلفة وتوصلت في النهاية إلى نهج رأت انه قد ينجح . كانت تبحث عن باجدوناس في كل مرة تذهب فيها إلى المطعم أو المبنى الرئيسي. أرادت أن تخبره أنها تمكنت من إدارة امورها بنفسها، لكن لم يكن هناك أي أثر له. وربما صار ممن هجروا المشروع، حيث صار هذا الامر شائعا وعلى نطاق واسع مؤخرا. والغيت تأشيرات معظم العاملين الاجانب في الحرم الجامعي أو هم من قرروا العودة إلى بلدانهم بينما الطرق لا تزال مفتوحة.

كان التوجه الجديد لبحثها الذي سارت فيه هو ما أسمته "تحريض البيئة الكمومية" او الحقل الكمومي اختصارا. الا ان تفاصيله الدقيقة صارت سرية للغاية لما كان يعرف سابقًا بعوالم باندومينيون، ومتاحة فقط لدي السلطات الكوكبية في عملهم، ولكن تقنية الحقل الكمومي كان في الأساس تحايلا واضحا حيث تضمنت معالجة الجسيمات دون الذرية باستخدام مجهر المسح النفقي ونول من حزم إلكترونات ذات طور معاكس. كان هاديز تقليد تستهدف محاكاة معايير معينة لبيئة الفضاء السحيق دون حاجة الي مصادم ذرات او مغادرة مختبرها.

يقسم الفيزيائيون القوى والمؤثرات التي تحكم الكون إلى فئتين منفصلتين، تسمى الكميات والمتجهات . الكميات هي ما يمكن وصفها بشكل كامل من خلال قيمة عددية فقط مثل الضغط أو الكثافة. اما المتجهات مثل الجاذبية أو السرعة أو الدوران فتتطلب مقدارًا واتجاهًا تحدد المتجهات، بشكل جماعي، الموقع الزمكاني للكائن . قامت هاديز بوضع القيم الكمية والمتجهة معًا في نفس الصندوق وهزها حتى انهارت قيمة كل منهما، فتعيد الكتابة فوق التوقيع الكمي لمساحة صغيرة من الزمكان بحيث تبدو وكأنها جزء مجري لمكان آخر كانت تأمل أنه إذا كان جسيم الطاقة المظلمة يتجول بالقرب منها فإنه سوف يرتبك بما يكفي للبقاء فيه أثناء التقاط صورته.

لم تأتي النتائج كما كانت تتوقع. فخين ضغطت مفتايح التشغيل، حفز الحقل الكمومي ثم خمل مرة أخرى، استغرقت الدورة كاملة أقل من جزء من الألف من الثانية. خلال تلك الفترة القصيرة، حدث تغير سريع للمجال الحراري بمقدار 0.0032 درجة مئوية - داخل حيز التجربة والتي هي كرة فولاذية بحجم جوزة الهند.

كانت في حيرة من أمرها. مدخلات الطاقة التي أنتجها جهازها التجريبي في هذا الحيز الضئيل من الفضاء لاشئ . و الحرارة تتطلب مصدرًا، ولم يكن هناك مصدرا. وما كانت تفعله انها حفزت بعض التفاعلات دون الذرية وقمعت البعض الآخر،،. الجسيمات عديمة الكتلة ولا ينبغي أن يكون هناك أي تغير يمكن ملاحظته باستثناء التقلبات سريعة الزوال في المجالات الكهرومغناطيسية المحيط بها.

لما اذن زادت حرارة الهواء داخل الكرة ولو بدرجة بسيطة! رأت هاديز أن لابد هناك خطأ في القراءات. وبعد فحص كل مكون عدة مرات واستبدال معظمها، حاولت مرة أخرى

لكنهاحصلت على نفس النتائج

شمرت عن سواعدها لتلقي نظرة فاحصة على ما يحدث في المستوى تحت الذري. لتكتشف أن جزيئات الهواء داخل الحقل الكمومي مضطربة لسبب غير مفهوم. تصحبها حرارة متولدة كنتيجة ثانوية لحركتها العشوائية المفاجئة .

و بعد قليل من البحث ادركت ان الأمر لم يكن عشوائيًا. بل على العكس تماما .كانت الحركة عبارة عن تدفق سلس في اتجاه ثابت، نتيجة للوصول والرحيل المفاجئ بنفس القدر لمليارات ومليارات الجزيئات الجديدة، و صارت المساحة الضئيلة داخل الكرة جزءا من سيل متدفق. وهناك تيار غير مرئي لا يمكن تصوره، دون كتلة او شحنة، يتحرك عبره.

لكن الي اين يتحرك ؟ ومن أين يأتي؟ ما ذاك الحيز الأكبر الذي اتصلت به هادز عن غير قصد، وبأي وسيلة حدث الاتصال؟ استمرت في تكرار نفس الاختبار حتي المساء مع تغيير طفيف في شدة المجال وتماسكه الي ان انقطع التيار في العاشرة صباحًا.

و قد نجحت في ذلك الوقت في تعديل التأثير، وزيادة وتقليل السرعة والطاقة الناتجة عن جزيئات الهواء المتراقصة. لكنها لم تكن لديها أي فكرة عن سبب حدوثها، وعليها الآن الانتظار حتى الصباح. ولم تنوي التزود بالوقود او إعادة تشغيل المولد في الظلام.

في صباح اليوم التالي بدأت من جديد، ونجحت أخيرًا في إلغاء كل الحركة الجزيئية الدخيلة في الحقل الكمومي. حيث انهارت الكرة المعدنية كما لو أن قبضة عملاقة قد سحقتها بقوة.

الهواء الذي كان يتمدد بلطف سابقا بسبب كل تلك الإثارة اختفى الآن. . وخلق مكانه فراغًا مثاليًا.

نظرت الي معداتها في لوم "هذا سخف، لا يمكن للمادة أن تولد أو تفنى من عدم، يمكنها فقط تغيير حالتها.و ليس للهواء الموجود داخل تلك الكرة مكان يذهب إليه او حالة تغير اليها.

ولم تجيبها المعدات بشى.

وفي حالة مزاجية سيئة، فتحت هاديز باب خروج الطوارى. وجلبت كرسيًا معها . لتجلس في الخارج وتدخن سيجارة ، كان خلف الساحة ضفة شديدة الانحدار تؤدي إلى نهر باداجاري. و أفق كانه شريط من سلك المغنسيوم، متوهج بأشعة شمس شرسة تلفظ انفاسها قام شخص ضخم الجثة مرح يُدعى كوتي بإنشاء حانة على الجانب الآخر من النهر، في الجزء الخلفي من شاحنة مهجورة، لتقابل حانته العاملين في المشروع وهم في طريقهم إلى المنزل . اعتادت هاديز سماع الموسيقى والأصوات القادمة من هناك - موجات صغيرة من الصوت تحملها رياح لا يمكن التنبؤ بها بشكل عشوائي. واعتبرتهم مصدر إزعاج خفيف، لكنها افتقدتهم الآن بعد رحيلهم. كما لو أن نبضات قلب عالم آخر قد همدت أخيرًا.

أغلقت هاديز عينيها وهي تشعر بحرارة الشمس الشديدة تتناثر على وجهها. وزفرت رئتها الأخيرة من نفس السيجارة الاخيرة.

كانت فكرة العوالم و الأكوان الموازية نظرية مفيدة في الفيزياء. و ساعدت في تفسير انتهاك السببية حين قام مراقب بشري بقياس حدث دون ذري. بدت الاحتمالات من وجهة نظر المراقب وكأنها تنهار ، لكنها من وجهة نظر أخرى تتباعد بالفعل يسلك الكون دوما لحظة تلو أخرى، الطريق الأقل حركةً، وكذلك جميع الطرق الأخرى.

القت هاديز بسيجارتها على الطريق الأسمنتي وسحقتها

لقد ذهبت إلى أبعد ما يمكن لها تصل اليه بنفسها. فكنت بحاجة إلى شخص اخر . الا انه لم يكن هناك أحد يتمتع بالخلفية العلمية المناسبة و المهارات المطلوبة.

كانت هاديز من المدرسة القديمة ولم يكن لديه حتي سيارة ذات ذكاء اصطناعي. في الواقع لقد استنكرتها بشدة. وكرهت فكرة إعادة النظر في حدسها
واكمال نتائج ابحاثها لها. لكنها الآن مستعدة ولكن على مضض للاعتراف بحاحتها لحصول على رأي ثاني. وبما أن من تبقي من زملائها لم يكن بينهم خبيراً واحداً في مجالها، كان عليها أن تكتفي بما هو متاح.

كان الموقع الفعلي لروبشي - الذكاء الاصطناعي الثوري للبروفيسور باجدوناس - عبارة عن مبنى أسود بلا نوافذ في الطرف الاخر من الحرم الجامعي - . لكن لم يكن على هاديز الذهاب للمبني للتحدث إلى روبشي. فباستخدام الرموز وكلمات المرور التي أعطاها إياها باجدوناس،تواصلت عبر جهازها الحاسوبي و تثبتت واجهة تشغيلها بافتراض أن هذا النظام شبه الذكي ما يزال متصلاً بالشبكة ، فيمكن الوصول إليه ببساطة . شعرت وكأنها تشارك في طقوس غير مقدسة،

"روبشي. هل أنت هنا؟"

"اجل بروفيسور تامبوال." صوت امرأة ! - كامل وغني ودافئ لا شك أن باجدوناس سيزعم أنه أراد طمأنة المستخدمين ، ونزع أي تحيزات متأصلة أو رهاب قد يكون لديهم تجاه الآلة، شعرت هاديز أن اختيارات باجدوناس كانت ذكورية وقديمة

قالت متجهمة وهي تدفع كل ذلك جانبًا عن ذهنها. " رائع انا بحاجة الى مساعدتكم."

"سأكون سعيدة بمساعدتك بأي طريقة ممكنة. لكن ووفقًا للوائح الداخلية، فأنا - مثل جميع مرافق الكمبيوتر المتاحة بين الإدارات - مورد محدود يتطلب اجراء حجز.

"لقد حصلت على إذن صريح من البروفيسور باجدوناس للاستفادة منك."

"لكن الحجز على المستوى الاقسام الهارجية. يتطلب نموذج CAA-39، الذي ستجديه في مجلد مشرفك ، وإرساله إلى مديرك المباشر أو أحد أمناء الهيئة .

" على حد علمي مديري المباشر ربما يكون قد مات .و أمناء الكلية لم يعد لهم وجود. أعطيني خيارًا آخر."

"توجد قائمة مركزية بأسماء موظفي الجامعة المخولين بالموافقة على تخصيص الموارد. ستجد القائمة في مجلد المسؤول الخاص بك.

وجدت هاديز. في أسفل القائمة، اسم ميسسو إيكيي، وهي زميلة سابقة عرفت هويتها وكلمة مرورها خلال تعاون قصير قبل بضع سنوات. قامت برحلة قصيرة إلى قسم الأحياء، استخدمت احد الاجهزة لتمنح نفسها 100 في المائة من وقت تشغيل النظام. و لو كان أحد هناك لطلبت منه ذلك ، لكن المكان كان أرضا قاحلة غير مأهولة. عادت إلى مبناها بمجرد الانتهاء من ذلك وأغلقت الأبواب خلفها.

بمجرد وصولها، أعادت تشغيل الواجهة مرة أخرى الي وضع التشغيل الكامل. "هل اصبح وضعي جيدا ؟"

اجابها الذكاء الاصطناعي مؤكدا"أنا تحت تصرفك، بروفيسور تامبوال"، .

"سعيدة لسماع ذلك. لدي مشكلة هنا. المادة - وهي جزيئات هواء - تختفي تلقائيًا داخل مساحة مغلقة ومراقبة.

"هذا امر مستحيل."

" هذا ما جري،، مما يثير غضبي. لذا أخبريني ما الذي غاب عني."

أعطت هاديز روبشي طريقة تشغيل جهازها ونتائجها التجريبية للذكاء الاصطناعي. التي ظلت لمدة ثلاث ثوان كاملة تعالج تلك البيانات. لتقول في النهاية "إن جزيئات الهواء لم تدمر لقد ذهبوا إلى مكان آخر."

"عبرت من خلال سبعة ملليمترات من الفولاذ؟"

"بالتأكيد لا. مسامية الفولاذ لم تتغير."

"بالطبع لم يحدث ذلك. الفولاذ يحيط بكامل حيز الحقل النشط، لذا."

"عبر من نسيج الزمكان ."

"عفوا؟"

"كنت اوضح لك بروفيسور تامبوال ، ان الفولاذ يحيط بالمساحة النشطة للحقل الكمومي ضمن المعايير المعروفة والمفهومة للزمكان رباعي الأبعاد.

رمشت هاديز، وعي تفكر في الأمر، ثم رمشت مرة أخرى "هل تقترح أن الهواء داخل الحقل قد ازيح لفترة مؤقتة؟ هل تظن أنني اخترعت السفر عبر الزمن؟

" هذا ايضا محتمل لكن لا. فكرتي تقوم على احتمالات احصائية بحتة، أن جزيئات الهواء ربما تحركت عبر الفضاء بشكل غير متدفق. جردوا من مادتهم، ليظهروا مرة أخرى في مكان آخر. وهكذا نشأ فراغ محلي، ولكن دون انتهاك مبدأ حفظ المادة. ولم تتوقف الجزيئات عن الوجود . لقد ارسلوا إلى موقع آخر فقط.

اعتقدت هاديز أنها وجدت درجة من العجرفة في صوت الذكاء الاصطناعي، لكنها لم تجد ثغرة في كلامها. لقد تعرضت بالفعل جزيئات الهواء لتدفق لانهائي من جزيئات ذاتية التوليد. وبمجرد توقف حركة الجزيئات الدخيلة، اختفت على الفور. وربما انضموا إلى تيار الجسيمات وذهبوا الي اي مكان . لم تخترع السفر عبر الزمن صدفة ، لكنها ربما اكتشفت تقنية النقل الآني.

قالت في تفكر "حسنًا إذن. نعم. تمام. سأفترض أنني قمت بطريقة ما بتوليد قوة حركية تعمل بشكل متقطع في الفضاء الطبيعي. و أرسل جزيئات الهواء بعيدًا، بإزاحته إلى مكان آخر. أحتاج اذن معرفة المدي والاتجاه . مما يعني-"

"أرسال شيئا آخر".

"-يجب أن أرسل شيئًا آخر. شكرا لك، روبشي. لقد كنت ع وشك قول ذلك بالفعل."

"اعتذر"

تعجبت هاديز من قدرة النظام علي ادراك سخريتها. فرغم عدم اهتمامها علي الاطلاق بمجال الذكاء الاصطناع، الا انها استطاعت أن تدرك أن باجدوناس قد قطع خطوات كبيرة فيه.

قالت: " ايا ما نرسله، يجب أن نكون قادرين على تعقبه". "لا أريد أن ينتهي بي الأمر بالتخمين في جميع أنحاء موقع المشروع. ماذا تقترح؟ في اطار المعدات التي لدينا بالفعل، و إذا طلبنا أي شيء جديد قد ننتظر وقتًا طويلاً.

"الموارد الكيميائية والإلكترونية صالحة ومتاحة. لدي قسم علم الأحياء مخزونًا من اليود 131 لاجل التصوير التشخيصي.و لدى قسم العلوم الجيولوجية أجهزة تتبع لطائراتها دون الطيار لرسم الخرائط.

قررت هاديز ان تبدأ باليود. نظرًا لكونه سائلًا، فمن غير المرجح أن يحدث أي ضرر في المكان الذي سينتقل اليه. الا ان رصده يتطلب ان لا يبتعد عن مسافة قصيرة ، و من المؤكد أنه سيكون ف انحاء القريبة كما تشير جميع الأدلة.وقد كانت الطاقة المتضمنة في هذه العملية قليلة جدًا بحيث لا يمكن لمحتوي الحقل الكمومي أن تنتقل بعيدًا جدًا.

ما الذي يجري؟ ربما يمكنها تخيل ذلك . عند عمل جهاز الحقل الكمومي يقوم بتغيير قيم متجهات مساحة معين من الفضاء، مما يخبر بقية الكون أن هذا الحيز الصغير من الفضاء المحلي قد حفظ بشكل خاطئ. والكون مولع بالنظام،،. محاولا نقل ذلك الحيز إلى المكان الذي يبدو أنه ينتمي إليه. وتيار الجسيمات الزائرة مجرد قناة.

في تجربتها الأولى استخدمت عُشر ملليلتر من اليود المشع وأقل كثافة ممكنة للحقل الكمومي. اليود-131 يضمحل في المقام الأول بسبب انبعاث موجات بيتا عند 606 كيلو إلكترون فولت، مع إطلاق بعض أشعة غاما عالية الطاقة عند 364 كيلو إلكترون فولت - وهي علامة يسهل التعرف عليها . قامت هاديز باستخدام حساس فائق لتسجيل التغيرات في إشعاع الخلفية في المختبر نفسه. ضمن الاحتمالات، ان اليود سينتقل بضع بوصات على الأكثر ويسقط على طاولة عملها دون أن يسبب أي ضرر: ومع ذلك، قررت البحث على مسافة عشرة أمتار. وايضا من المحتمل ان يتجسد اليود داخل جسمها دون ان تلاحظ و من الأفضل توخي الحذر.

قامت بتنشيط الحقل الكمومي وعينها على كاشف الاشعاع. واستطاعت تحديد اللحظة الدقيقة التي اختفى فيها .و على شاشتها، تحولت القراءة من اللون الأحمر الوامض إلى اللون الأخضر الثابت. ولم يظهر أي لون أحمر جديد. ولم تظهر أي مصادر إشعاعية جديدة تشير إلى المكان الذي وصل إليه اليود أثناء تنقله.

ثم قامت باستخدم عداد إشعاع محمول لفحص كل شبر من المختبر. ثم أخذته إلى الخارج وتجولت حول المبنى في دائرة يتزايد اتساعها، و حلقها يتألم من الملوثات الموجودة في الهواء. ولم يكن هناك أي أثر لليود في أي مكان في حرم الموقع أو في المنطقة المحيطة به.

لا بد أن اليود انتقل أبعد مما توقعت.

حان الوقت لخطة بديلة إذن. ذهبت إلى قسم العلوم الجيولوجية حيث اخذت عدد من أجهزة التتبع (GPS)، وهي رقائق بلاستيكية مستطيلة تحملا رقمًا تسلسلية محددة. وفور عودتها إلى المختبر، قامت بتجربة واحد منهم لمعرفة ما إذا كان لا يزال يعمل. كانت خائفة من احتمال سقوط شبكة الاقمار الصناعية التي تعتمد عليها من السماء. لكن حاسوبها المحمول التقط إشارة جهاز التعقب على الفور وعرضها على خريطة الموقع. كانت الأقمار الصناعية لا تزال هناك، تراقب بلا مبالاة الكوكب وهو يصير إلى أشلاء.

وضعت جهاز التعقب في منصة الحقل الكمومي وشغلته . اختفت الرقاقة تمامًا كما حدث مع اليود، وفُقدت إشارتها في نفس اللحظة، اختفى الضوء الأحمر الصغير الهاص بتحديد موقع الرقاقة من الوجود على شاشة الكمبيوتر المحمول. وكررت تلك التجربة تسع مرات أخرى. و الإشارة تموت في كل مرة،،. مما دفعها نحو للتفكير في إحدى النتيجتين.

الأول: كان اجهزة التتبع مازالت تبث اشارتها من موقعها الجديد، ولكن هذا الموقع يقع بعيدا عن نطاق استشعار شبكة الأقمار الصناعية . اي في الفضاء السحيق، بمعنى آخر.

ثانيًا: ان أجهزة التتبع أو جزء من التكنولوجيا الموجودة على متنها قد دمر أو توقف عن عمله أثناء النقل. و الإشارة فقدت بسبب تلف المرسل ولم يعد يعمل. تخيلت هاديز الجهاز الصغير وهو يتجسد داخل فوهة بركانية، أو في قاع البحر.

ظلت تفكر في المشكلة وهي تحرق العديد مم السجائر. ثم قالت في تفكير بصوت عالٍ: "أحتاج إلى طريقة اخري لإعادة الجسم المنقول ".

"لا ينبغي أن يكون ذلك مستحيلاً."

"لم اقصدال التحدث اليك يا روبشي."

"هل ترغبي أن أنتظر حتى تطلبي رأيي؟"

تنهدت هديز. "لا، اكملي." ورأت ان كبريائها المهني لا ينبغي أن يكون مؤثرا في هذه الموقف.

"إن الانتقال الآني ال، إذا كان هذا هو ما يجري هنا، ناتج عن التغييرات التي يجريها الحقل الكمومي على حيز من المكان . لذا يجب أن يكون قابلاً لان يجري ف عكس الاتجاه ايضا ، إذا اعيد ضبط جميع القيم المتجهة والكمية المتعلقة بذاك الحيز إلى قيمها وعلاقاتها الأصلية.

"أفترض ذلك نظريا . لذا؟"

"ما نحتاج اليه إذن هو اداة محمولة لتعديل الحقل الكمومي قادر على تخزين تلك القيم الأصلية وإعادة ضبط الحقل بها بعد فترة زمنية محددة."

اولا فلنمسك بالأرنب ، فكرت هاديز بغضب. ورات ان روبشي على حق، وذكر الامر بهذه المصطلحات يجعله يبدو رائعا بالفعل . شرعت في العمل وقامت ببناء المعدل الميداني. على عكس منصة الحقل الكمومي نفسه، والتي هي عملاقة بحجم الغرفة، كان حجم المعدل صغيرا للغاية. و هو في النهاية،،. جهاز الاستخدام الواحد ذو وظيفة تبديل واحدة. وو موفرًا للطاقة، حيث يستخدم في شحن نفسه التحريض الجزيئي العشوائي الذي كان هاديز تقمعه. عند تنشيط الحقل الكمومي،، ويقوم بتفريغ كل الطاقة المخزنة دفعة واحدة تدوم لجزء من الثانية ليطمس التوقيع المكاني والزماني الأصلي الخاص به وللكائن المستهدف. أدى إعادة التعيين هذا إلى عكس كل ما فعله الحقل الكمومي،، معيدا الجسم المنقول آنيًا إلى حالته الكمومية الأصلية وبالتالي - كما تأمل - إعادته فورًا إلى نقطة بدايته.

كان النموذج الأولي قرص بلاستيكي قطره ثلاثة سنتيمترات وعمقه مليمترين. ربطته بمنفضة سجائر زجاجية، وهو أول شيء يقع في متناول يدها. حددت تأخيرًا زمنيًا قدره ثلاث ثوانٍ، وقامت بوضع منفضة السجائر في كرة المنصة ونقلتها انيا. فعاد بعد ثلاث ثواني. حيثما كان،و بدا وكأنه سليم، كما هو الحال مع المُعدِّل نفسه. وعندما تفقدت هاديز المنفضة وجدت أنها لم تتغير في المظهر أو التكوين أو الخصائص. ولم تعد بأي مادة غريبة او مجهرية . و توقيعها كان قبل تشغيل الحقل الكمومي تماما

ظلت تختبر المتغيرات بشكل هادئ ومنهجي . وبعد عدة انتقالات انية، تغييرت حالة منفضة السجائر بشكل طفيف . حيث عادت أكثر دفئًا أو برودة ، بحد اقصي 2.2 درجة مئوية.

أستخدمت اشياء مختلفة، أي شيء كان في متناول يدها. عملة. قطعة ورق. نملة في علبة الثقاب. تصرفت العملة مثل منفضة السجائر، حيث تسخن أو تبرد قليلاً بمرور الوقت. فعلت الورقة الشيء نفسه، لكنها عادت رطبة قليلاً بما تبين أنه ماء عادي. اما النملة فكانت غير مبالية.
لم تكن المنصة ترسل الاشياء إلى الفضاء السحيق ، أو تحت الأرض، أو قاع المحيط. بل مكانا ما عاديا تماما

الخطوة التالية كانت إرسال جهاز تتبع (GPS) . وعندما فعلت ذلك، انقطعت إشارته تمامًا كما حدث مع جميع اجهزة التعقب السابقة. ولكن عندما عاد كان لا يزال يعمل بشكل مثالي. كل الأمر أن الأقمار الصناعية لم تتمكن من التقاط موقعه وهو على الجانب الاخر من القفزة.

كان لغزًا، ذلك الجانب البعيد. يمتلك بعض الرطوبة، ودرجة حرارة تتغير مع مرور الوقت وتختلف عن درجة الحرارة في المختبر بما لا يزيد عن بضع درجات، وجو وضغط في نطاق يمكن البقاء عليه. كل هذه الأشياء تشير إلى أن الأجسام المنقولة لم تكن تبتعد كثيرًا على الإطلاق. ومع ذلك فإن كل نقطة على سطح الارض كانت في نطاق ما لا يقل عن ثمانية عشر قمرًا صناعيًا تعمل في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) . فلا ينبغي أن تنقطع الإشارة .

اقترحت روبشي "ربما شبكة الأقمار الصناعية معطلة بشكل ما ، لقد جرت أحداث عالمية مثيرة للقلق."

قال هاديز: "أنا على علم بالأحداث. ما نوع الإعاقة التي تفترضها يا روبشي؟"

"فشل في التتبع المستمر . إذا تحرك جسم ما بشكل فوري وبشكل متقطع ، فربما تفقد الشبكة تتبع موقع الجسم وتشطبه على أنه مفقود، وبالتالي تفشل في البحث عنه والعثور عليه في موقعه الجديد.

"هذا يبدو غير محتمل."

"اتفق في الرأي".

" بالنظر إلى التداخل. لا بد أن الكثير من الأقمار الصناعية قد تعرضت لنفس الخلل بالضبط. ماذا تعتقدي ايضا؟"

"تأثير قصير المدي سببه الحقل الكنومي نفسه ، أدي إلى تعطل جهاز التتبع عن طريق تشويش توقيعه ؟"

"رأي جيدة. الا أنه لا يوجد سبب يجعل الحقل ذو تأثير على موجات الراديو نظرًا لأنه لا يفعل شيئًا يمكن قياسه لبقية طيف الموجات الكهرومغناطيسية. الرأي التالي."

"الأشياء تنتقل إلى كون آخر."

وريما يكون في هذا الامر شئ؟ انتصبت شعيرات من رقبة هاديز. لقد فكرت في ذلك لكنها لم تجرؤ على قولها بصوت عالٍ. ربما كان الطريق الذي لم يسلكه أحد أكثر من مجرد استعارة . لقد حان الوقت لتشغيل الكاميرا بالتأكيد. عرضت قوائم محتويات مختلف الاقسان مجموعة كبيرة من الاجهزة . فاختارت هاديز موديلاً رياضياً صغيراً مقاوماً للصدمات و للماء حتى عمق ثلاثين متراً. قامت بوضعه في مجال الحقل الكمومي، و لصق مُعدِّل المجال على جانبه. ضغطت على زر "تسجيل" وأرسلته في طريقه. وبعد خمس دقائق عاد في حالة ممتازة. و بيدين مرتجفتين قليلاً أغلقت زر "التسجيل" وضغطت على زر "التشغيل".

كانت النتائج مخيبة للآمال . سجلت الكاميرا خمس دقائق من الظلام. لم يكن ذاك السواد ظلام غطاء عدسة، أو ظلام فضاء سحيق. حيث كشف الفحص الدقيق عن تدرجات وأنماط من الضوء والظل توحي بمساحة مادية. لكن ما هي؟ لم يكن هناك أية تلميح بخلاف حقيقة أن الظروف البيئية لم تكن قاسية بما يكفي لإلحاق الضرر بالكاميرا.

حسنًا، هناك أكثر من طريقة لسلخ القط.

الشيء التالي الذي أرسلته هاديز كان فخًا - علبة مستطيلة مجوفة ذات وجه أمامي منزلق من شأنها أن تغلق نفسها بشكل محكم بمجرد وصولها إلى الجانب الاخر من القفزة. ليمكن فحص كل ما تم التقاطه حين عودتها .

كانت التجربة ناجحة ولكن ما التقاطه هواء فقط. هواء قديم جيد، مليء بالغازات المعتادة بنسبها المعتادة تقريبًا. مليئة بالكائنات الحية الدقيقة أيضًا، والتي تعرفت على معظمها على الفور رغم واحدة أو اثنتين منها كانت غريبة بعض الشيء دون أن تكون مثيرة للقلق بأي شكل من الأشكال. وخالية من ملوثات الصناعة،،. مما أدى إلى دهشة هاديز بشدة . الهواء في لاغوس - وبالتأكيد في جميع أنحاء القارة بأكملها - غير قابل للتنفس تقريبًا في ذلك الوقت.

كانت الخطوة التالية إشكالية. في الأحوال العادية، من المفترض ان تتقدم بطلب للحصول على مال اضافي، و على عدد قليل من المساعدين الجدد من مكان ما، لتوسع نطاق الاختبار ليشمل مواد مختلفة بمستويات مختلفة. وفي نهاية المطاف، ستنتقل إلى إجراء التجارب على الحيوانات، مع مراعاة جميع المعايير المهنية والأخلاقية الواجبة. لم تقتنع هاديز ان لديها الوقت لهذه الأشياء. إن العيش في لاغوس يعني العيش مع أنظمة مرهقة. يجب أن تكون فلسفيًا بشأن الكوارث البسيطة، ويتطلب الأمر الكثير لتمنحك شعورًا بنهاية العالم. ومع ذلك، كان هذا هو الشعور الذي شعر به هاديز في ذلك الوقت.

ربما كانت ستفعل الأشياء بطريقة مختلفة.عندما كانت هي والعالم أصغر سناً، كانت ستتجنب المخاطرة بالخطأ، وستتمنى بشدة أن يكون هناك طريقة أخرى.

وهكذا ، بذهن ممتلئ بمليون هاجس اقتحمت العالم الاخر
ء Infinity Gate by M.R. Carey

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري