ترتيب وتصنيف روايات نيل سيتفينسون



 نيل ستيفنسون مؤلف لامع وبارع في الادب التاريخي والتشويق التقني القائم علي العلم ، وربما  يكون أمرًا شاقًا بالنسبة للقراء غير الواثقين من أين أو كيف يبدأوا في قراءة  كتبه ، في هذا المحتوي سأقدم مراجعة سريعة لكل أعماله، فربما تمثل بعض رواياته تحدي لدي قرائها إن كانوا لا يعرفوا  ما يمكن توقعه  منها.


في محتوي سابق قارنت روايات نيل ستيفنسون بروايات مايكل كريتون، ولاحظت أن ستيفنسون يبدو وكأنه يكتب لجمهور متخصص أصغر حجمًا ، في اسلوب كثيف السرد و أحيانًا يسبب الارباك ، وعن موضوعات منتقاة بشكل كبير ، ومثيرة جدًا  للدهشة . و هؤلاء من بين أكثر الكتب عندي التي لا تنسى والاكثر طموحًا  مما  قرأته على الإطلاق، وقد احتلت مرتبة عالية في قائمتي المفضلة في كل الأوقات


ألف ستيفنسون  11 رواية، بالاضافة لعدة أعمال تعاون فيها مع مجموعة من المؤلفين الآخرين, وقد قرأت رواياته المنفردة جميعها ما عدا روايته الأولى التي نشرها عام 1984 ، وبالتالي لن أناقش هذا الكتاب، وكعادتي سأتجنب حرق الاحداث ولن أخوض في التفاصيل  ولكن بدلاً من ذلك ، سأشارك أفكاري الواسعة وانطباعاتي عنها وكيف يمكن مقارنتها ببعضها البعض 


تطورت كتابة ستيفنسون بشكل كبير على مدى العقود الثلاثة ونصف الماضية ، حيث بدأ بكتابة رواية تقليدية إلى حد ما  عنوانها zodiac  وهي رواية غموض معاصر ، تدور في عالم من الإثارة والتشويق،  ذات  ايقاع سريع ، تتضمن تقنيات حقيقية  لا تزال الي اليوم ذات صلة كبيرة بالواقع، وتحتوي على العديد من العناصر التي أصبحت اسلوب مميز لكتابات ستيفنسون،  بما في ذلك حس الفكاهة والشخصية الرئيسية التي تسعى للتغلب على القيود التي تفرض عليه ، وتحفل بقدرة الأفراد على إحداث فرق في العالم، وهو موضوع متكرر في جميع كتبه. وتتصف الرواية بالاثارة والاكشن الذي يدور في اطار الاهتمام بقضايا البيئية والصحة ، بطل الرواية يصف نفسه محترف واحمق ، لكنه في الحقيقة يستخدم مصطلحًا أكثر حيوية، لكنني أحاول الحفاظ  علي جو عائلي  فى هذه المراجعة  ، إن بطل الرواية  خليط من الشخصية التليفزيونية ماكجيفرو ناشط بيئي  و صحفي ليس بالمحايد (مثل هانتر ثومبسون) ويملك عقلًا ذكيًا وتعجرفا ، وميل نحو المواد الكيمائية المؤثرة علي العقل ، ذو ألفاظ ليست مناسبة في الصحبة المهذبة ، ومصمم على كشف  واسقاط  - بأي وسيلة ممكنة -  الأشخاص والجهات المسؤولة عن إلقاء المواد الكيميائية السامة في ميناء بوسطن ، و نظرا لأن كتاب طبيعته الاثارة والتشويق ، فيشارك الجناة في مؤامرة أكثر خطورة تتعلق بمخاطر أكبر مثل حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وفي هذا الصدد ، تعتبر zodiac رواية تشويق تقني نموذجية  إلى حد ما ،تتضمن حبكة مفتعلة وغير معقولة وهو امر شائع في هذا النوع من الاعمال ،  ولكنها تحتوي علي مزيد من العلم  القائم علي اساس رصين ، ورغم عيوبها فهي مسلية للغاية  بسبب لباقة البطل المستمرة و تعليقه الذهني المتدفق


 الكتاب عبارة عن صخب غريب الأطوار لا يتوقف حيث يقارن  بين الشركات الملوثة للبيئة بأرض  موردور  لتوكلين ثم  يتهكم من هذيان العوام ممن ليسوا  من علماء البيئة ، وبطلها  يري كعالم  كيميائي  بما حصل عليه من تدريب  ،ايضا   ناقد في قضية تكافؤ الفرص  يريد سلخ أي شخص أو أي شيء يسبب له الازعاج، ثم احيانا أخري  يتكلم  ببلاغة فقط عن الأحداث اليومية مثل تحديات عبور الشارع أو تناول الطعام في المطاعم الفيتنامية أو اختيار أفضل بنية كيميائية للمخدرات المؤثرة علي العقل


قد يكون zodiac العمل الأكثر سهولة لاقتحام عالم ستيفنسون  ، فهو الأقل حجما  بصفحات عددها  282 فقط. .  وكما ذكرت سابقًا ، فإن الحبكة تقليدية جدًا ، وما يجعلها ممتعة لا تُنسى هي الصوت السردي المسلي البغيض لـلبطل ومن الممكن العثور علي الكثير من الأشياء الجيدة في فصوله


تفقد طبيعته البطل  المشاكسة  المستغرقة في ذاتها بعضًا من بريقها الفكاهي واشعر بسببه بالضيق ، فلا يعد محبوبا بما يكفي لذوقي ، وبالتالي لا أوصي بالبدء مع zodiac كمقدمة  لاقتحام لعالم  ستيفنسون، ورغم  احتوائها على عناصر من أسلوبه المميز ، إلا أنها لا تمثل حقًا كتبه اللاحقة او كونها رحلة مصقولة  في الخيال ، فأنا أعتبر zodiac كمنظفا للتذوق فهو كتاب جيد في قرائته وسط روايات ستيفنسون الاخري الأكثر اكتمالا  


نشر ستيفنسون بعدها - عام 1992 - واحدة من أكثر كتبه شهرة وتأثيرًا  snow crash  ، وأحد الأعمال الجوهرية في ادب السايبربانك  الذي صنفته مجلة التايم  عام 2005  من افضل 100 رواية باللغة الإنجليزية كتبت منذ 1923 ، وأعترف أنني في حيرة  قليلاً من هذا الترتيب ، ففي حين قدم  ويليام جيبسون في عمله neuromancer مصطلح (الفضاء الالكتروني)  كمفهوم وكلمة تشير إلى شبكات المعلومات المترابطة رقمياً التي تتيح التفاعل الاجتماعي بين المستخدمين ، صاغ  ستيفنسون في  روايته snow crash   مصطلح الميتافيرس للإشارة إلى التقاء  الواقع المعزز والواقع الرقمي في الواقع الافتراضي  ، وقدم امثلة للميتافيرس مثل الواقع الافتراضي الغامر في الخيال  وبنيات الواقع المعزز ، وأتساءل  إن  كان ستيفنسون قد فرض أي رسوم على استخدام  الفيسبوك لهذا المصطلح


 snow crash  كتاب يسهل قرائته بشكل كبير طالما أنك لا تأخذ الأمر على محمل الجد ، فإن الحبكة التي يبنيها العالم والشخصيات  عبثية ومتعمدة وفي مقدمة هذا الكتاب نجد التهكم والسخرية،  إنه ليس خيالًا علميًا جادًا رغم  الأشياء المثيرة للاهتمام  فيه  حول مستقبل التقنيات الرقمية والإنترنت ومخاطر دولة المراقبة والطرق التي يمكن أن تتشكل بها المجتمعات من خلال الميمات اللغوية والتي تتصرف كما الفيروسات و كيف يصيبوا الافراد ليكررون أنفسهم لإصابة الآخرين ، و جدير بالملاحظة مدى البصيرة لما ألت اليه تلك الاشياء اليوم،  ضع في اعتبارك أن الكتاب نشر منذ أكثر من 30 عامًا،  قبل أن يسمع معظم الناس في ذلك الوقت  عن الإنترنت ، او حتي تجربته  ، كان هناك أقل من 50 موقعًا على شبكة الإنترنت  و الهواتف المحمولة عبارة عن أجهزة تناظرية بحجم قالب الطوب و واجهات مستخدم رسومية للكمبيوتر  لا تزال  بدائية ، فكانت أنظمة الواقع الافتراضي والواقع المعزز على بعد عقود من  لادتها ، ولم تكن الشركات العملاقة في التكنولوجيا  مثل google facebook meta و amazon موجودة  حتى.


 في ضوء حالة التكنولوجيا في ذلك الوقت ، كان من اللافت للنظر مدى دقة بعض توقعات ستيفنسون حول المستقبل والتكنولوجيا، يمكن  الآن بالطبع  تقديم حجة معقولة مفادها أن ستيفنسون لم يكن يتنبأ بالمستقبل بل يشكلها، حيث أخذ القراء والشركات أفكاره وشرعوا في

جعلها ابتكارات واقعية بدئا من برنامج google earth مرورا بالعالم الافتراضي في موقع second life  و xbox live ، جميعها تُنسب  إلى تأثير snow crash ، ولم يستهوني  الكتاب  حيث كان  بناء عالمه في العالم الحقيقي وليس عالم الميتافيرس الرقمي  غير واقعي بالمرة مما صعب تعطيل عدم التصديق لدي أثناء القراءة و إذا حاولت تحليل مقدمة  الكتاب وحبكتها عن قرب ، سينهار كل شئ بها ، فيمزج عالم الرواية بين الرأسمالية و الاناركية والحكومات الوطنية المهمشة والغائبة والجيوش الخاصة وسيادة القانون وهو عالم لا يمكن أن يتحقق أبدًا حيث سيدمر نفسه في وقت قصير


 الرواية  تجربة فكرية مثيرة للاهتمام اخذت  لأقصى حد بغض النظر عن معقولية ما يجري بها ، فما هي  احتمالية  ان تحاول نسخة من كنيسة  سيانتولوجية  سرية و هزيلة الاتباع  غزو العالم عن طريق غسل دماغ الناس باستخدام تعوذية لفظية من أيام سومر القديمة ، ويمكن فقط  لمخترق موهوب لديه سيف ياباني   وفتاة متزلجة ذات 15 عامًا وعامل  توصيل بيتزا لمحلات مملوكة للمافيا  أن ينقذوا  الموقف


انا أوصي بهذا الكتاب ، إنه ممتع للغاية  رغم  أسلوب الكتابة المتقلب  والذي غالبا ما يتخلله كشف عرضي  وضخ للمعلومات  في وتيرة سريعة ستيفنسون  مبدعًا جدًا في أفكاره ، وربما وصفه  بالجنون امر مناسب في بعض الأحيان ، و في رأيي  ابداعه قد يعيق الطريق نحو قصة قابلة للتصديق


the diamond age هو  كتاب  ستيفنسون التالي  الذي نُشر 1995. وفاز  بجائزتي هوجو ولوكوس ورشح لجوائز نيبولا وكلارك وكامبل ، ويري فيه المرء  دليلًا علي نضج ستيفنسون ككاتب ، لكته لا يزال يعاني قليلاً من الخيال المفرط الذي عرضه في  snow crash ، لكن بحبكة وشخصيات أكثر تعقيدًا و واقعية وتطويرا ، تدور احداث الرواية  في المستقبل غير البعيد  ربما بعد مائة عام من الآن ، حيث ساعد تقدم تكنولوجيا النانو في الانتقال الي عصر ما بعد الندرة  وصار الطعام و الملابس والمأوى يمكن تصنيعهم وتقديمهم  مجانًا باستخدام محول ومؤلف متطور للمواد ، وبالتالي تطورت هياكل مجتمعية بطول الثقافات المشتركة وحلت محل الدول القومية وهي عبارة عن قبائل عالمية  من الشعوب لها نفس المصالح والقيم  ، والثلاث قبائل الرئيسية هم القبيلة الصينية (الهان) و اليابانية ونيو فيكتورية-اطلانطية  وقبائل اخرى اصغر ويوجد ايضا   شبكة من المخترقين  ،  تمثل القبائل عمومًا شرائح النخبة في المجتمع التي تتحكم في القرارات و التقنيات  والموارد بينما  قطاع كبيرة من السكان تركوا   بلا قبيلة 


 تتضمن حبكة الكتاب مؤامرات كثيرة  من قبل مختلف القبائل  للحفاظ على مكانتها أو تعزيزها  أو تقويض مكانة القبائل الأخرى ، وجهودهم للحفاظ على درجة معينة من النظام الاجتماعي وإبقاء الجماهي  تحت السيطرة بشكل بارز ، وفي مركز كل ذلك كتاب خاص جدًا ،  أكثر الكتب المتقدمة التي تم تأليفها على الإطلاق ،  موجة لمرحلة رياض الاطفال ، حين يدرك أحد مديري الشركات في قبيلة اطلانطس الجديدة الفيكتورية  أن في مرحلة ما بعد الندرة صار العالم محكوم عليها بركود في الابتكار وصارت المبادرة غير ضرورية حين تنقرض أسلوب حياة (الحاجة ام الاختراع)  وتستبدل بمحول ومؤلف المواد  فلا يريد أن يصاب احفاده بهذا المصير ، فيكلف بإنشاء كتاب  تفاعلي ذكي

وعندما أقول ذكيًا ، أعني أنه ذكي حقًا ليكون مدرس خاص لحفيدته التي في مرحلة الروضة لتتعلم منه دروس حياتها الأساسية حول  الشخصية وحل المشكلات و الإبداع والانضباط الذاتي جنبًا إلى جنب مع  القراءة والكتابة والحساب وبتقدمها في السن  يضيف دروسًا حول المهارات العملية مثل التشفير المتقدم  وحتى ما يتعلق بالدفاع عن النفس ، ويسوء الامر حين ينتج منه نسخ متعددة  بشكل غير قانوني وتقع في أيدي الفتيات الصغيرات من مختلف القبائل  ، ما سيحدث لتلك الفتيات والمجتمعات التي يمثلنها حين يكون أول الدروس التي يتعلمنها وأهمها هو التفكير الهدام والتشكيك في السلطة ؟


تتبع القصة شخصيات ووجهات نظر متعددة خلال فترة من الزمن اطول من عقد، البعض منه يروي  كسلسلة  تفاعلات بين فتاة قبلية و أول دروس ذاك الكتاب، ومعها نشعر في بعض الأحيان كأنها تقاطع بين السعي وراء مغامرة من العاب الفيديو وجلسة ارشادية ومعهما إصدار متقدم للغاية من تطبيق الكمبيوتر eliza 


في المرة الأولى التي قرأت فيها هذا الكتاب ،  شعرت بالذهول من  جرأة فكرة ستيفنسون  التي قام ببنائها بأحكام عبر  450 صفحة، وهذا هو ما يدور حوله الخيال العلمي والتأملي القائم على التكنولوجيا وأنا  أوصي بشدة بالكتاب الذي يستحق القراءة ورغم اني حين اعدت  قراءته قد برزت لي بعض عيوبه  الا اني ما زلت أستمتع به كثيرًا ولكن الجوانب المفككة للسرد كانت مصدرًا للإحباط حيث تعددت الشخصيات من منظور الرواي و لم يكن جميعها مطورا بالكامل وبعضها يختفي  لفترات طويلة ، 

ربما كان قفز احداث القصة إلى الأمام لعدة سنوات امر  مفاجئا بشكل يجعلني غالبًا أرغب في معرفة المزيد عن خلفية الاحداث  لملء الفجوات وبمناسبة الحديث عن ملء الفجوات فإن بناء العالم عموما كان سطحيا للغاية ، فهناك تلميحات بديناميكيات وصراعات أوسع تحدث في العالم بين القبائل وداخلها ، لكن ستيفنسون لا يقدم أبدًا صورة جيوسياسية واضحة ، حيث يُترك القارئ ليأخذها على أساس الإيمان  بأن القصة منطقية ضمن هذا السياق ، تلك عيوب ليست  قاتلة بأي حال مقارنة بمدى إبداع الأفكار الموجودة في الكتاب ولكنها تنتقص قليلاً من تأثير القصة


وصف ستيفنسون كتبه  الثلاث الأولى بأنها "فترة جونزو" في إشارة إلى أساليب الكتابة الإبداعية التي استخدمها في zodiac و snow crash و  diamond age المليء بالسخافات الغريبة والخيالية التي يبدو أنها مصممة للفت الانتباه إلى المؤلف حتى في المقابلات التي اجراها المؤلف أثناء انتقاده أحيانًا لسردها القصصي فهو يعتقد أن طريقه إلى النجاح كروائي خلال تلك السنوات الأولى يعتمد على قدرته على خلق قصة مميزة جدًا وأسلوب كتابة جونزو هذا المبالغ فيه من شأنه أن يبني سمعته ، وهو يقول أنه تخلى عن هذا النهج بعد diamond age   إلى حد كبير لأنه رغم  النجاح النقدي الكبير الذي حققته  ، إلا أن كتبه لم يتم بيعها كما كان يأمل. ومن تلك النقطة ، ركز على إعطاء الأولوية للجوهر عن الأسلوب مع الحفاظ على بعض الغرائبية السابقة 


في 1999 ، نشر رواية cryptonomicon الحائزة على جائزة لوكاس ورشحت لجوائز هوجو وكلارك  ، وهو الكتاب الذي ميز ظهور ستيفنسون ككاتب لـ  روايات الخيال التأملي التي بحثت بعمق والمكتظة بكثافة وتغطي أنواعًا من الادب متعددة و قد اشتهر بها اليوم ، وهي واحدة من رواياتي المفضلة وأولى الكتب التي اقرأها  له، واعدت قرأتها مرة أخرى عام 2000 حين كنت في المطار أبحث عن بعض الكتب خفيفة  القراءة قبل الصعود على متن رحلة، حينها اكتشفت نسخة ورقية منه في رف كشك الصحف ، بدا الأمر ممتعًا لذا اشتريته لا  اذكر أين كنت ذاهبًا في تلك الرحلة ، لكنني أتذكر أنني لم أنجز الكثير خلال اليومين التاليين حين كنت ألتهم الرواية ، وهو أول كتاب من سلسلة روايات تغطي فترة   400 عام نشهد فيها عدد قليل من الشخصيات و أحفادهم وأسلافهم  ، وكل كتاب منها قائم بذاته إلى حد كبير يجمعها  عالم مشترك ، هذا الكتاب عبارة عن  900 صفحة، وله حبكة معقدة مع قصتين منفصلتين ولكن متصلتين تدور  في فترات زمنية مختلفة ، أحدهما خلال الحرب العالمية الثانية والآخر   بعدها ٥٥ عاما  ، خلال فترة حمي  الذهب على الإنترنت 


الكتاب بمثابة جرعة قوية من الخيال التاريخي في الفصول يدور خلال حرب كسر  التشفير  في بلدة متنزه بلتشلي والاحتلال الياباني للفلبين، وهم  الدافع الرئيسي للاحداث ثم فصول متناثرة  من العصر الحديث في جميع أنحاء كتاب، يحتل البحث عن الكنز وإخفاء الكنوز مركز الاحداث  ، حيث تبحث بعض الشخصيات عن ذهب اسباني مفقود منذ فترة طويلة  صادره اليابانيون في الفلبين أثناء الحرب، شخصيات أخرى تسعى جاهدة لإنشاء ملاذ آمن في الخارج  لبيانات العملاء ممن يرغبوا في  الاحتفاظ بأصولهم وسجلاتهم الرقمية بعيدًا عن متناول الحكومات المتطفلة ، فتتضمن  نهاية  الحبكة  إنشاء طريقة دفع مشفرة جديدة تماما لتسهيل المعاملات المالية الآمنة خارج نطاق البنوك المركزية والهيئات التنظيمية الحكومية ووكالات إنفاذ القانون وهو يبدوا لنا مألوفا ، فالرواية لها الفضل بشكل واسع  إلى تخيل أول عملة مشفرة ، فبدونها ربما لم يكون هناك أي عملة بيتكوين بعد 10 سنوات من نشر الكتاب   لذا   يشعر القارئ كأنه امام كتاب حديث بشكل ملحوظ رغم  تأليفه منذ ما يقرب من 25 عامًا ، التهرب الضريبي  وخصوصية البيانات والعملات المشفرة وغسيل الأموال هي مواضيع محورية في الكتاب ووهي امور ازدادت أهميتهم اليوم 


إنها قصة مغامرة تاريخية  وتشويق تقني  تتناول الرياضيات المعقدة للتشفير بالإضافة إلى الفروق السياسية الدقيقة ف منطقة بحر الصين الجنوبي،كما  تحتوي على الاسلوب المميز لستيفنسون في الاستطراد في تفسيرات تقنية غامضة والنثور العشوائية التافهة التي أستمتعت بهم لكن بعض الناس يجدونها تعوق تدفق القصة ، إنها واحدة من أفضل أعماله وأحد  أفضل نقاط دخول عالمه و بدء قراءة كتبه ويبدو ان ستيفنسون قد استمتع حقًا بتأليفه لذاك الكتاب  لأن كتابه التالي the baroque cycle وهي ملحمة تاريخية حازت علي جائزة كلارك و لوكاس و بروميثيوس  تضمنت  ثلاثة مجلدات من 2600 صفحة نُشرت في 2003 و 2004 وهم Quicksilver ، The Confusion ، The System of the World


هم في رأيي  أعظم أعماله ، و أعظم رواية خيال تاريخية قرأتها على الإطلاق ، انها تقرير مباشر عن تغيير العالم ، تناول احداثها فترة 40 عامًا تبدأ  من استعادة الملكية الإنجليزية علي يد تشارلز الثاني في ستينيات القرن السادس عشر ، خلال تلك الفترة القصيرة غير العالم مساره بشكل كبير ، حيث شهدنا ولادة المنهج العلمي  لتحل محل  العلوم الزائفة وتنهي مسيرة الخيمياء،  وفي الرياضيات بما في ذلك  ولادة نظام الأرقام الثنائية و التشفير  وتطوير حساب التفاضل والتكامل 


وهناك  الزيادة المتزامنة  للتجارة المصرفية الجديدة والأنظمة الاقتصادية و انتشار فلسفات سياسية مستنيرة ،وفي  هذا  المكان  ولد العالم الحديث ، وربطه ستيفنسون كل ذلك معًا  بوسيلة تحرك الحبكة  تذكرنا بفيلم  فورست جامب حيث يواجه عدد  من الشخصيات الخيالية مجموعة كبيرة من الشخصيات التاريخية المهمة مؤثرين بشكل مباشر على الأحداث التاريخية ولكن  فورست هنا قد يكون ممل قليلا وجاد بشكل مبالغ فيه ،فبطل الرواية تلك والذي نصب نفسه ملكا للمتشردين ورفيقته جارية  القصور التركية السابقة إليز قد يكونا اي شئ الا انهما شجعان واسعي الحيلة ومتذبذان في بعض الاحيان  وتجعلهم تصرفاتهما الارتجالية  غير متوقعين وطوال الوقت تتقاطع مساراتهم مع ويليام أمير أوراني ولويس الرابع عشر و بيتر الكبير وأعيان آخرين في الوقت الذي يعملوا فيه علي سياسات القوي العظمى لتحقيق مكاسب شخصية خاصة بهم 


تتضمن الرواية حبكات فرعية تتناول التنافس العلمي والرياضي بين إسحاق نيوتن والعالم الألماني الموسوعي جوتفريد لايبنيز ، للقراصنة البرابرة ظهور في الرواية  وايضا معهد  تكنولوجي صغير يقع على نهر تشارلز ، وهناك مؤامرة جريئة للاحتيال علي دار سكك العملة الإنجليزي والكثير من التجسس والمكائد التي تنطوي على   تأمين خط  وراثة العرش الإنجليزي


رغم  وضوح  كون الرواية  ادبا تاريخيًا ، الا انك تري فيها ايضا جوهر الخيال العلمي الذي يعرفه ستيفنسون بأنه الخيال الذي تلعب فيه  الأفكار العلمية  دورًا مهمًا  ،  هذه الثلاثية ليست مجرد حكي تاريخي عن عصر النهضة في أوروبا ، بل هي قصة لحظة حرجة في تاريخ العلم والأدوار التي لعبتها تلك الأفكار العلمية الجديدة في التطور المستقبلي للعالم ، تقوم سلسلة the baroque cycle بشكل وثيق علي رواية cryptonomicon ، انها عمل مسبق تتضمن شخصيات  قد تكون أسلافًا لبعض الشخصيات الرئيسية في  cryptonomicon الذي تدور احداثه بعد 300 عام ، ولكني لا أوصي بقراءة الكتب بترتيب زمني يبدأ  من سلسلة  the baroque cycle ، يمكنك بالتأكيد فعل ذلك ولكني أعتقد أن تجربة القراءة تتعزز من خلال مراعاة بترتيب النشر. حيث ان الكثير من المفاجآت والسمات الشخصية التي تضمنها  the baroque cycle تضيف وتبني علي  ما كتب من قبل في  cryptonomicon  ، وفي النهاية ، يجب أن أقدم بعض التحذيرات، فسلسلة the baroque cycle ليست مثالية ، إنها طويلة و كثيفة ، تبدأ ببطء شديد ، وكالمعتاد يقوم ستيفنسون بايقاف السرد بشكل متكرر ليتوسع في افكاره التاريخية والرياضية و السياسية والعلمية والاقتصادية  وهذا الأمر بالنسبة للمهووسين مثلي يمكن أن تكون  ميزة وليس عيبا في كتاباته ، ومع ذلك فإنها قراءة رائعة وأنا أوصي بها بشدة 


كتاب ستيفنسون التالي هو anathem   ، والذي نشر  عام 2008 ورشخ لجوائز هوغو وكلارك وفاز بجائزة لوكوس ، وربما يكون  الأصعب بين  روايات ستيفنسون بالنسبة لي  في مراجعتها  لأنها تجمع بين  أفضل وأسوأ ميول المؤلف ككاتب ، من الصعب أيضًا مناقشة الكتاب دون حرق  الحبكة ، لذا أعتذر مقدما حين يكون كلامي غامضا بعض الشيء ، حيث لا تجري الكثير من الاحداث في معظم صفحات الكتاب البالغ عددها 937 صفحة ، فهي مثال على البناء البطيء لأن القصة لا تتحرك إلا بعد مرور ثلاثة أرباعها تقريبًا ، يحتوي الكتاب على الكثير من الكلام وليس كثيرًا من الاحداث ، وفي أي رواية خيال علمي أخرى تتناول افكار مجردة وخيالية ان لم يكن ستيفنسون هو صاحبها  سيكون هذا بمثابة حكم  بالإعدام للكتاب ، إلا أن ما ينقذ هذا الكتاب هو مدى الذكاء   بشكل لا يصدق في  البناء البطيء  على الرغم من أنها لا تبدوا كذلك في البداية  ، ففي حين  السرد الكثير الذي جري خلال  الصفحات المئات الأولى من الكتاب  قد يبدو باهتًا ومتكررًا في قراءته ، فإن كشف الاحداث البطئ يري بزاوية مختلفة حين تصل القصة إلى نقطة تحول رئيسية وتصير فجأة تلك المناقشات الأكاديمية الجافة بين  الشخصيات في النصف الأول من الكتاب وثيقة الصلة للغاية ويتحول كل شيء إلى سياق مختلف تمامًا ، فهذا كتاب يفشل في اساسيات سرد ​​القصص   لكنه  في نفس الوقت يقدم دروسا في  ربط ما  يبدو انها افكار متباينة ليس لها علاقة وغامضة في شكل متماسك ومحفز للفكر ، بعض الكتب تقدم للقارئ رحلة رائعة  حتى لو كانت نهايتها أو خاتمتها مخيبة للآمال و كتب كثير  لستيفن كينج  علي هذا المنوال،   بالنسبة لي anathem الامر علي العكس ، الرحلة قد تكون محبطة في بعض الأحيان ولكن بمجرد وصولها إلى وجهته ، سيجد القارئ  الكثير مما يسعي اليه ، هذا كتاب  يتطلب تقديره بمجمله كبنية كلية لاعطاء عيوبه الواضحة حقها في كيفية خدمتها لافكارها المجردة او كما يقول روبرت هاينلين  هذا كتاب يجب أن يستوعب لا ان يقرأ


إن جوهر القصة مشابه للجسيمات الكمومية ، فهو كتاب كمي لديه أكثر  من حالة في نفس الوقت و ينطبق عليه مبدأ عدم اليقين ل هايزنبرغ إذا حاولت جاهدًا ان تعرف مغزي الكتاب ،  ولكي تعرف عما يدور حوله تخيل  مكانا تتقاطع فيه قصة والتر ميلر A Canticle for Leibowitz  و آرثر سي كلارك 2001 a space odyssey ومحاورات أفلاطون وربما علي قمتهم نثرة لبليك كراوتش، يستخدم ستيفنسون طريقة سرد جدلية مسطحة  لتقديم واستكشاف مفاهيم تتراوح بين مبادئ الرياضيات والفيزياء الكمومية وعلم الفلك  حتي قيمة الثقافة الشعبية  والطبيعة الدورية لتاريخ العالم و التوتر الذي يحدث بين مصداقية البحوث العلمية الاكاديمية  الاساسية والتطبيقية  وتداعيات عبارة ديكارت انا افكر اذن انا موجود التي طرحت أسئلة حول ما هو الواقع،  وهل يمكن معرفته ،  وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن تشكيله وإتقانه 


هذا كتاب سيحبط العديد من القراء ما لم يكن معظمهم ولأسباب منطقية تمامًا ، فبعد كل شيء يبدو أنه قد كتب للجمهور  المطلع علي الفلسفة في نهاية المطاف والمتخصصين في فيزياء الكم وربما سأقارنه  برواية ulysses الكلاسيكية لجيمس جويس ، إنها ليست ممتعة حقًا في قرائتها لكنها لا تزال تحفة فنية


نذهب الي روايته التالية reamed   المنشورة  عام 2011. و هو الكتاب الثالث في سلسلة Stevenson المرتبطة بعالم  cryptonomicon و the baroque cycle  ، ومن الواضح أن ستيفنسون أراد تغير خطاه  بعد رواية   anathem الذهنية جدا ، في مقابلات صحفية صرح  أن تلك الرواية  مستوحاه من قصص المغامرات لـ  أليستر مكلين الذي كتب كلاسيكيات guns of navarro  وice station zebra  و where eagles stare والتي تحولت جميعها إلى أفلام ممتعة ومثيرة للغاية في الستينيات 


في هذا الكتاب نتابع ريتشارد دودج فورريست ، مهرب المخدرات السابق الذي يستخدم ألعابه غير المشروعة ومهاراته البرمجية  في إنشاء واحدة من أكثر الألعاب شعبية على الإنترنت في العالم  والتي تشبه بشكل واضح  لعبة warcraft  ، حيث تدمج موضوعات من رواية cryptonomicon على وجه الخصوص   استكشاف العملات الرقمية وأنظمة الدفع البديلة وكيف يمكن استخدام ألعاب  الإنترنت لأكثر من مجرد الترفيه ، و ايضا عن صعوبة الحفاظ على علاقات صحية  عبر الإنترنت أو بين أفراد الأسرة


في النهاية هو عمل اكشن خفيف مسلي  كالفشار أخذ شكل كتاب ، فيه  فيروس كمبيوتر سابق لعصره يؤدي الي  إطلاق سلسلة عمليات اختطاف سياسية تتضمن المافيا الروسية والجماعات الارهابية الاسلامية و تجسس الشركات الصينية ووكالات المخابرات الغربية وحرب الأرض المحروقة   داخل لعبة عبر الإنترنت بين جيوش الارض المتحالفة وقوى الضياء 

الرواية سلسلة ممتعة من حطام كتاب ، وهي تبدأ  مثل اي رواية اثارة تقنية مثيرة للاهتمام  لديها الكثير لتقوله عن فرص الربح والغش في عالم ألعاب  الإنترنت ، لكنه في النهاية ينحدر  الي قصة تبادل اطلاق نار تقليدية مفتعلة لكتاب يبلغ طوله ما يقرب الألف صفحة ، وقد كنت أتوقع المزيد والأفضل   


 وسأنتقل الآن إلى الكتاب الرابع fall or dodge in hell  والتي نشرت عام 2019 ضمن عالم ستيفنسون الروائي ،  هذه الرواية  ثمرة  علاقة حب  بين anathem و  reamde  حيث اخذت الشخصيات والخلفية وبناء العالم الذي يجري عبر الإنترنت من reamed ومزجتهم بافكار  فلسفية صعبة تناولتها anathem  ، ورغم مرور  ثلاث سنوات علي قراءتي لها ، ما زلت غير متأكد تمامًا من شعوري تجاه الكتاب ، إنها عمل طموح بشكل لا يصدق يثير أسئلة شائكة حول امور اخلاقية  و الإنسانية في تحميل الوعي على الأثير الرقمي ، ويعتبرالكتاب صدي لقصيدة جون ميلتون الملحمية الفردوس المفقود حيث  حدثت فقط   كي تجري احداثها في المستقبل القريب ، حيث اتاح العلم وفيزياء التبريد الشديد وخرائط الدماغ للوعي الفرصة بأن يستمر في العيش بعد موت الجسد  ، وهذه الطفرة التكنولوجية  خلقت  حمي الذهب تجاه العالم الافتراضي  حيث تدافعت النخب الثرية في العالم الحقيقي لتحميل وعيها في عالم الإنترنت الجديد المنشأ فقط لأجلهم في وعد بالحياة الافتراضية الأبدية  إلى جانب القدرة على تشكيل العالم الجديد في الشكل التي يرغبوه ، مما خلق حافز قوي نحو السلوكيات السيئة لدي الأشخاص الذين تم تحميلهم حديثًا ، والأمر في يد ريتشارد دودج   نفس بطل رواية reamde  لإيجاد طريقة لمنح قصة الخلق الشبه توراتية هذه نهاية سعيدة


يقوم هذا الكون الجديد على الإنترنت فوق  محرك   لعبة تقمص أدوار هائلة متعددة اللاعبين طوره دودج ، الذي يعد في هذا العالم  مكافئ وظيفيا للإله  وتلك حكاية مجازية رائعة ، ولكن  للأسف تعاني الرواية  من قدر كبير جدًا من حماس المؤلف تجاه  الجزء المتعلق بالعالم الذي انشأئه علي الإنترنت ، حيث خصص جزء كبير من النصف الثاني من الكتاب فيه  والذي يتمتع بتيمات الفنتازيا الملحميّة  التقليدية ، العناصر الفانتازية في العمل  تصنع مع بعضها البعض  طبقات ومع نظائرها المتفرقة في قصص الكتاب المقدس التقليدية ومع كم كبير من المناقشات التقنية حول بناء العالم  تصنع اساس متماكس غريب تمامًا  في السرد واحيانا ناشزا ومملًا قليلاً 


بالعودة نحو بعض سنوات إلى عام 2015 ، دعونا ننظر الان الي  رواية Seveneves التي رشحت لجائزة هوغو وقد تكون اكثر  روايات ستيفنسون   خيال علمي بحت ،   إنها نهاية العالم لذا فلندع العلم يخرجنا من تلك الفوضى حتى تتمكن البشرية من البقاء

هذا الكتاب لستيفنسون ربما يكون مستوحى من العصر الذهبي لكلاسيكيات الخيال العلمي   when worlds collide ل فيليب وايلي وإدوين بالمر حيث تكون  على الأرض علي وشك التصادمع  مع كوكب ضال ،و يجب على العالم أن يضع وينفذ خطة سريعة لإرسال  عدد ضئيل  من البشر إلى الفضاء للحفاظ على نوعنا الحي ، ولكن  هذا  ليس كل شئ ، انها تذكرني بالامور العلمية في الهندسة التي تصفه  بانه تقني ودقيق وابداعي في حل لمشكلات مما يستدعي إلى الذهن رواية  أندي ويير the martian 


 هذا الكتاب  خيال علمي صارم ، كما أن هناك ايضا قضايا اجتماعية - سياسية وتفاعلات جماعية  مماثلة لتلك الموجودة في ثلاثية marsلكيم ستانلي روبنسون الممتازة و تذكرني أخيرًا ب anathem في أفقها الزمني الممتد وفي القفزات الخيالية التي تتخذها في استقراء تطور البشرية حين تواجه قيود شديدة علي الموارد وظروف المعيشية غير الطبيعية والتنوع الجيني المحدود والقبلية السامة


هذه الرواية  في الحقيقة عبارة عن روايتين في واحدة، حيث يناقش ثلثاها الأولان كيفية استجابة العالم لكارثة تلوح في الأفق وكيف يؤمن الناجون مستقبلًا لأنفسهم ولذريتهم في الفضاء  الخارجي، إنها عن مارك واتني  بطل رواية the martian ولكن علي كويكب ، اما الثلث الأخير من الكتاب فيأخذ  منهجًا أكثر تأملا من خلال الانتقال سريعا  5000 سنة الي المستقبل حين يسعى الناجون ابناء  الفضاء إلى العودة إلى الأرض على أمل أن تصبح صالحة للسكن ، بحلول ذلك الوقت صار لدي البشرية اختلافات جينية تميز بين سكان  الفضاء وبقايا البشر علي الأرض  ممن تمكنوا من البقاء على قيد الحياة عن طريق الاختباء تحت الأرض لآلاف السنين فصاروا اقرب كائنات المورلوك (في قصة جورج ويلز الة الزمن) وذو هيئة متباينة جدا عن أصلهم المشترك  ، فهل  يمكن للبشرية أو ما صارت عليه البشرية أن تجد الأرضية المشتركة اللازمة لخلق مستقبل مسالم

$

seveneaves  هي واحدة من أفضل كتب الخيال العلمي الصارم التي قرأتها منذ وقت طويل  والثلث الأخير منها مثير للإعجاب كما هو معتاد في اعمال ستيفنسون و بنفس القدر   ، نجد ف الكتاب الكتابة الكثيفة ، والأوصاف التقنية الضخمة ، وبعض التعليقات الخطابية غير الضرورية وتطور الشخصيات غير مكتمل لكن هذا امر لا غبار عليه ، فسبب كبير من لقراءتي لاعماله هو أنني أحب التعرف علي الأشياء واجد تحديًا في  الأفكار الكبيرة ،  وهذا أفضل ما يفعله ستيفنسون 


أحدث روايات ستيفنسون التي نُشرت العام الماضي هي  termination shock  ، وهي رواية اثارة تتناول موضوع تغير المناخ وتدور خلال عقدين في المستقبل عندما يتسبب الاحتباس الحراري في مشكلات خطيرة لأجزاء كثيرة من العالم ، وهي ايضا رواية مفككة بشكل غريب ومخيب للآمال إلى حد ما، ويبدو الأمر كما لو أن ستيفنسون احتفظ بقائمة متتالية من الموضوعات الرائعة التي وجدها مثيرة للاهتمام ولكنها ليست ذات صلة ببعضها البعض  ثم حاول كتابة سرد يربطهم جميعًا، وفي رأيي هذه بالتأكيد حالة الكل الأقل من مجموع أجزائه على النقيض من anathem، وفي هذا السياق تحتوي الرواية  على بعض الامور الأنيقة حقًا التي استمتعت تمامًا بمعرفتها  بما في ذلك استخدام مسحوق الكبريت في طبقة الغلاف الجوي العلوي  لتحقيق تغير مناخي محلي ، وعن المعركة طويلة الامد حول خطوط ترسيم الحدود ، وعن الحدود التي بين الهند والصين في جبال الهيمالايا وعن الأبعاد الجيوسياسية للشركات أو الدول التي تعمل من جانب واحد لمعالجة تغير المناخ من خلال الإجراءات التي تضر بالآخرين ، وبعبارة اخري ، لو كان بإمكان شركة أو بلد زيادة كمية  هطول الأمطار في جزء ما من العالم فسيكون هناك جفاف مماثل في جزء آخر من العالم  ، الرواية تطرح سؤال مهم للغاية من الذي يقرر الفائز والخاسر في جهود معالجة تغير المناخ


 كنت سأفضل رواية أكثر تركيزًا على هذا السؤال والاسئلة الاخرى ذات الصلة بها ولكن بدلاً من ذلك ، وجدت  خليط يتضمن موضوعات أقل إثارة للاهتمام وأقل أهمية مثل الملكية الهولندية وتاريخ التعدين  في إندونيسيا و فنون الدفاع عن النفس التقليدية لدي السيخ   وانتشار الخنازير الوحشية العملاقة في جنوب غرب الولايات المتحدة ، كما تضمن هذا المزيج تعليق حول قوة وهيكل وتأثير صناعة وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك زرع الادمغة الإلكترونية المتطورة القادر علي خلق جندي خارق يتمتع بقدرات حسية وانعكاسية محسنة ، هذا الكتاب في احداثه ينتشر في جميع أنحاء خريطة العالم   حرفيا أو مجازيا ، فهو يذكرني  ب reamde  ، وهي رواية تشويق تقني تقوم علي  فرضية رائعة ولكنه غير مدهشة.  وتنفيذها لا غبار عليه ، وهو  ليس كتابًا سيئًا 


اخيرًا أريد أن أذكر بإيجاز تعاون ستيفنسون مع مؤلفين آخرين ، هناك  كتب من نوع  التشويق التقني التي  شارك في تاليفها  مع عمه في التسعينيات بعنوان interface and cobweb ، وهناك سلسلة  تاريخية شارك في كتابتها منذ حوالي 10 سنوات تُعرف باسم mongoliad أو the four world saga ، تدور أحداثها أثناء غزو جنكيز خان  لأوروبا الشرقية في القرن الثالث عشر ، وهناك رواية فنتازية عن السفر عبر الزمن  بعنوان the rise and fall of dodo التي شارك في كتابتها مع نيكول جالاند في عام 2017. كل هذه الكتب يجمعها شيء مشترك ولا داعي لقراءتها وهو انها لا تمثل مواهب ستيفنسون المميزة جيدا،  فحين  يتعاون مع مؤلفين آخرين في بعض الحالات يكون  أسلوب السرد غير متكافئ او يحدث عدم تركيز على ما هو مهم في القصة، فيؤدي وجود أكثر من مؤلف   يروي كلا منهم  قصصًا مختلفة قليلاً أو جوهريًا ، فيخلق تنافرًا في السرد ، والذي يظهر في تطوير الشخصيات وبناء عالمها وأهداف الحبكة  ، ان سلسلة interface and cobweb يمكن قراءتها لكنها غير بارزة وتفتقر إلى الطموح و المهارة التي نجدها في أعمال ستيفنسون المنفردة


آمل أن تكون قد استمتعت بهذه النظرة العامة على أعمال نيل ستيفنسون الروائية  ومثل ما قلت من قبل هو أحد المؤلفين المفضلين لدي ويجب أن أقرأه رغم  أني لست راضيًا دائمًا عن كتبه ، سيكون لدي المزيد من المحتوي القادم مثل هذا  عن فيرنر فينجى دان سيمونز وإيرل  ستانلي  غاردنر



Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري