قصة the egg ل اندي ويير




كُنت في طريقك إلى المنزل حينما توُفيتَ ..

كانت حادثة سيَّارة عادية، لا شيء مُميَّز بخصوصها، لكنها قاتلة على كلِ حال ..

لقد تركتَ خلفك زوجة وطفلين، كانت ميتتك سهلة وبلا ألم، المسعفون حاولوا كل ما في جعبتهم من حيل لإنقاذك، لكن بلا طائل، كان جسدك مُحطَّماً ومُمزَّقاً تماماً، لذا كان موتك أفضل، صدِّقني ..

كان هذا حين التقيتني ..

سألتني: " ماذا .. ماذا حدث؟ أين أنا؟ " ..

أجبتك صراحةً: "لقد مُتْ"، لم تكن هناك فائدة من تزوير الكلام ..

– (كانت هناك شاحنة، وكانت تنزلق بعنف ) ..

قُلتُ لك: "أجل" ..

– "لقد .. هل مُتْ؟" ..

– "أجل، لكن لا تشعر بسوء حيال الأمر، الجميع يموت" ..

نظرت حولك كان العدم ينتشر، لم يكن يوجد سوانا ..

سألتني: "ما هذا المكان؟ هل هذه الحياة الأخرى؟ " ..

قُلتُ لك: "بشكلٍ أو بآخر" ..

سألتني: "هل أنت الرب؟" ..

أجبتُ: "نعم، أنا الرب" ..

قلتَ لي: "وأولادي .. وزوجتي" ..

– "ماذا عنهم؟" ..

– "هل سيكونون بخير من بعدي؟" ..

قُلتُ لك: "هذا ما يُسعدني سماعه، ها أنت قد فارقت الحياة لتوِّك، وهمَّك الرئيس عائلتك، تلك صفاتٌ حميدة التي تملكها" ..

نظرتَ إليَّ بانبهار، بالنسبة إليك أنا لا أُشبه الرب الذي تخيَّلته، أنا أبدو كرجلٍ عادي أو رُبَّما امرأة أو شخص غامض ذي سُلطة .. أبدو إليك أقرب إلى مُعلِّم مادة النحو أكثر من الإله القدير ..

قُلتُ لك: "لا تقلق، جميعهم سيكون بخير، سيتذكَّرك أطفالك كشخص مثالي في كل شيء، فلم يتوافر لهم الوقت الكافي كي تنمو مشاعر الازدراء تجاهك داخلهم ..

أما زوجتك فستبكيك رياءً، لكن في قرارة نفسها ستشعر بالخلاص، لنكن مُنصفين كان زواجك يتداعى ويتفكَّك .. 

لكن إذا كان فيما سأقوله أيَّ عزاء لك، فإنها ستشعر بالذنب من شعورها بالارتياح لخلاصها منك" ..

سألتني مندهشاً: «إذاً ماذا سيحدث الآن؟ هل سأذهب إلى الجنة أم الجحيم أم مكان ما آخر؟" ..

أجبتك: "ولا أيُّ شيء، ستعود إلى الحياة، ستتناسخ" ..

قُلتَ لي: " آه، إذاً فالهنود كانوا على حق" ..

قُلتُ لك: "جميع الأديان صحيحة بطريقتها الخاصة، سِر معي" ..

مشيتَ خلفي بينما كنا نسير عبر العدم، وسألت: "إلى أين نمضي؟" ..

قُلتُ لك: "ليس إلى مكانٍ بعينه، فقط من الممتع أن نسير ونحن نتكلَّم" ..

سألتني: " إذاً ما الغاية؟ حين أُولد من جديد، سأكون كالصفحةِ البيضاء، أليس كذلك؟ مُجرَّد رضيع، كل خبراتي وتجاربي وكل ما فعلته في حياتي السابقة لن يهم أبداً" ..

قُلتُ لك: «ليس تماماً! أنت تحمل داخلك مجموع المعارف والخبرات من كل حيواتك السابقة، أنت فقط لا تتذكَّرها في اللحظة الراهنة" ..

توقَّفتُ لبرهة، ثم أخذتك من كتفيك وأكملتُ: «إن جوهرك أكثر بهاءً وجمالاً وهولاً من كل ما تخيَّلته في حياتك، العقل البشري لا يسعه سوى احتواء كِسرة بالغة الضآلة ممَّا أنت عليه في الحقيقة، الأمر أشبه حين تضع طرف إصبعك في كأسٍ من الماء لتختبر إن كان بارداً أم ساخناً، أنت تضع شذرة ضئيلة من ذاتك في وعاء العقل، وعندما تُخرجها، تكون قد حُزت كل الخبرات التي جناها هذا العقل في حياته، لقد عشت في جسد بشري طيلة ثمانية وأربعين عامًا مضت، لذا فأنت لم تتمطَّ بعد لتستشعر أطراف وعيك الهائل، إذا مكثنا هنا فترة كافية، ستبدأ في تذكُّر كل شيء، لكن في الحقيقة لا توجد فائدة من فعل هذا بين كل حياة وأخرى" ..

– "كم مرَّة تناسخت إذًا؟" ..

– "أوه، مرَّاتٍ ومرَّات، وفي حيوات عديدة مُختلفة أيَّما اختلاف، هذه المرَّة مثلاً ستكون فلَّاحة صينية في العام (540) ميلادياً" ..

سمعتني فبُهتّْ فجأة، وتلعثمت وأنت تقول: "انتظر، ماذا؟ هل ستعيدني في الزمن إلى الوراء؟" ..

– "حسناً، عملياً نعم، انظر الزمن - كما تعرفه - يوجد في كونك فقط، الأمور مُختلفة من حيث آتيت أنا" ..

سألتني: "ومن أين تأتي؟" ..

فسَّرتُ لك: " أوه، بالطبع آتي من مكانٍ ما، مكانٌ مُغاير، ويوجد آخرون مثلي، أعرف إنك تريد معرفة ماهية ذلك المكان وكيف تجري الأحوال به، لكنك صراحةً لن تفهم أو تستوعب" ..

قُلتَ مُتنهِّداً:"أوه، هذا مُحبِط قليلاً، لكن انتظر لحظة، إذا كان يُعاد تناسخي دوماً في أزمانٍ مُختلفة، من الممكن أن أكون قد قابلت نفسي وتفاعلت معها في مرحلةٍ ما" ..

– "بالتأكيد، هذا يحدث باستمرار، لكن لأن كل دورة حياة لا تعي إلا وجودها الخاص، فإنَّك حتَّى لا تعلم بحدوث الأمر من الأساس" ..

– "إذًا ما جدوى هذا كله؟" ..

سألتك: "حقّاً؟ أتمزح؟ أنت تسألني عن معنى الحياة؟ ألا تجده سؤالاً نمطياً ومُستهلكاً إلى حدٍ ما؟" ..

لكنك أصرَّيتَ: "حسناً، إنه سؤال منطقي" ..

نَظرتُ في عينيك وقُلتُ: "جدوى الحياة والسبب الذي من أجله خَلقتُ الكون كله هو أن تنضج وتصير راشداً " ..

– "تعني البشرية؟ تريد لنا بلوغ الحكمة؟" ..

– "لا، أنت فقط،  لقد صَنعتُ الكون كله من أجلك، مع كل حياة جديدة تخوضها فأنت تكبر وتنضج، ويصير وعيك أكبر وأعظم" ..

– "أنا فحسب؟ وماذا عن الآخرين؟ " ..

قُلتُ لك: "لا يوجد آخرون، في هذا الكون، لا يوجد سوى أنا وأنت" ..

نظرت إليَّ في عدم فهم وقُلتُ: "ولكن كل أولئك البشر على الأرض " ..

– "كلهم أنت، تناسُخات مُختلفةٌ منك" ..

– "انتظر لحظة، أنا جميع الناس؟" ..

أجبتك وأنا أُربِّت على ظهرك: "الآن بدأت تفهم" ..

– "أنا كل إنسان عاش على هذه الأرض؟" ..

– "أجل .. وكل من سيعيش عليها" ..

– "أنا أبرهام لينكولن؟" ..

قُلتُ مُضيفاً :"وجون ويلكس بوث أيضاً" ..

– "أنا هتلر؟" ..

– "والملايين الذين قتلهم" ..

– "أنا يسوع؟" ..

– "وكل من تبعه" ..

لفَّك الصمت ..

قُلتُ لك: "في كل مرَّة اعتديت فيها على أحدٍ، كنت تعتدي على نفسك، وكل خيرٍ فعلته، فعلته لنفسك ..

كل لحظة فرح أو حزن مرَّت على أيٍّ من البشر، أو ستمُرُّ، أنت من اختبرها" ..

استمعتَ إلى كلامي، واستغرقت في تفكيرٍ عميق لمدَّةٍ طويلة .. 

في النهاية سألتني: "لماذا؟ لماذا تفعل كل هذا؟" ..

– "لأنك يوماً ما، ستصير مثلي، لأن هذه حقيقتك، أنت واحد من بني جنسي، أنت ابني" ..

قُلتَ مُرتاباً: "أوَّاه، أتعني أنني إله؟" ..

– "لا .. ليس بعد، أنت جنين، ما زلت تنمو، فقط عندما تعيش كل الحيوات البشرية في كل الأزمان، ستكون قد كبرت بما يكفي لتفقس" ..

قُلتَ لي: "إذاً فالكَون بأكمله مُجرَّد" ..

أجبتك: " بيضة، الآن حان الوقت الانتقال إلى حياتك التالية" ..

قُلتها، وأرسلتك إلى مصيرك الجديد ..


Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري