"الفِطر" رواية جريمة وخيال علمي بطلها روبوت غريب




بعد نجاح روايته الأولى "سر الموريسكي" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها السادسة عشرة وتمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، قدم الكاتب العماني محمد العجمي روايته الجديدة "الفطر".


وتأتي الرواية الجديدة، الصادرة عن دار عرب اللندنية، لتعالج موضوعا مختلفا قل من يطرقه عربيا، وهي رواية الجريمة المشتبكة بالخيال العلمي، والذي يضيف إليه العجمي أجواء من الغموض الذي لا يأتي فقط من محاولة اكتشاف تفاصيل الجريمة، بل من الروابط التي يقيمها الكاتب بين الذكاء الاصطناعي وعناصر تاريخية وأسطورية، بالإضافة إلى التجارب الروحانية.


"الفِطر" رواية يتتبع فيها العجمي، وهو القادم من وعورة النصوص الفلسفية، الآثار التي يمكن أن يصنعها اندماج الروبوتات في النسيج الاجتماعي بالمستقبل القريب، عبر الجريمة التي يكتشفها سكان بناية اللبلاب؛ تلك التي سكنت فيها سيدة مصابة باضطرابات عصبية ونفسية، ولمدة سنتين متواصلتين دون أن تغادر شقتها مطلقا.


وعندما يستفيق الجميع على الجريمة في ذلك الصباح؛ سيكون الوقت قد فات لمعرفة ما الذي يمكن أن يكون قد جرى خلال السنتين الماضيتين. فالروبوت الذي يعمل مساعدا طبيا، والذي سيجده عناصر الشرطة في شقة المرأة، وسيكون المشتبه به الوحيد في القضية، لن يكون سوى مجرد كتلة خرساء من المعدن، بلا ذاكرة ولا وعي، ما سيزيد المشهد تعقيدا وغموضا.


وإذا كانت الرواية الجديدة للعجمي تأخذ طابع الخيال العلمي في المستقبل، إلا أن أجواء العمل تحمل طابع البحث عن صيغة جديدة لإعادة تعريف ما هو الإنسان في ظل التمازج الشديد بين البشر والبيئة من جهة، والبشر والتقنية من جهة أخرى. إذ تسعى لبناء مجموعة من الصور المبتكرة عن المجتمعات البشرية في حدودها الجديدة وهي تستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يفرض عليها تحديات جديدة في العلاقات الاجتماعية والسياسة والتفاعل مع الطبيعة.


يأتي العمل الجديد للعجمي في حبكة لجريمة قتل يُتهم بها الروبوت آدم؛ المساعِد الطبي للسيدة التي تعمل رسامة لا تحب الاختلاط مع الناس بسبب حالتها النفسية، حيث يأخذ الكاتب القراء في رحلة مدهشة لاستكشاف عوالم هذا الذكاء الاصطناعي الذي بات يفتح على مسارات جديدة للإنسان ليعيد اكتشاف نفسه عند هذه الحدود القصوى المبهمة للطبيعة البشرية التواقة دوما لشيء ما خارجها. فالفطر رواية لا تقع على مستوى إيقاعي واحد، فهي تختبر ثلاثة أو أربعة أشكال وجودية للإنسان.


أولان الوجود المشتبك مع الآلات والذكاء الاصطناعي، وثانيا الوجود المشتبك مع الطبيعة في ظل الاستنزاف الرأسمالي المتواصل، وثالثا الوجود المشتبك مع العوالم الإلهية ضمن التجارب الروحانية والعرفانية، وأخيرا الوجود الخالص للإنسان ككائن حر لم ينخرط بعد في العلائقية والتشابكات كما وصفها جيل دولوز الفيلسوف الفرنسي الذي يهديه العجمي روايته هذه.


يبدأ العمل بمشهد اكتشاف حادثة تقع في زمن مستقبلي غير محدد، وفي مكان خاص بالرواية، حيث يستفيق سكان بناية منعزلة عن المدينة ليكتشفوا رائحة تحنيط تصدر من شقة أعلى البناية تسكنها سيدة غريبة الأطوار تعيش مع روبوت كمساعد طبي، وعندما يصل عناصر الشرطة إلى الموقع تظهر للجميع جريمة قتل فظيعة وقعت على المرأة؛ حيث تبدأ تحقيقات الشرطة على إثرها لمعرفة ما الذي كان يجري في تلك الشقة.


وبسبب عدم توصلهم إلى أي شيء مهم من خلال ما سيعثرون عليه في الشقة ومن استجواب سكان البناية، فيضطرون للبحث في تاريخ المريضة وتاريخ الروبوت الذي لديها، لتعود إلى الواجهة مجموعة أحداث قديمة؛ تفسر أشياء وتترك أشياء أخرى مبهمة، تتكشف تدريجيا في الفصول التالية.


تتكون الرواية من ثلاثة أقسام، لكل قسم سارده. الرواة في الأقسام الثلاثة هم روبوتات داخل العمل، حيث يجري سرد الأحداث والتفاعلات والحوارات عن طريق هذه الروبوتات الثلاثة: المساعِد الأمني سام، والدومري، وأخيرا الروبوت الطبي آدم.


وقد تحدث الأكاديمي ناصر البدري مدير دار عرب عن الرواية، قائلا “يخوض العجمي مغامرة فيها شيء من الجِدة؛ يذيب فيها عددا من الأفكار العلمية والفلسفية والصوفية التي يعالجها بشكل فني رائع”.


ويضيف "كُتبت أعمال أدبية كثيرة جدا عن الذكاء الاصطناعي، ولكن التحدي الذي يخوضه الكاتب في هذا العمل هو معالجة هذه الثيمات عبر الجريمة والخيال العلمي، بحيث ما يظهر للقارئ أنها رواية خيال علمي عن الجريمة، ولكن لا يلبث أن يكتشف أن الكاتب يستضيفه ليعيش أجواء تجربة علمية بأبعاد روحية ووجودية مكثفة".


ويتابع "يحاول العمل ببراعة أن يختبر النقائض في الطبيعة البشرية؛ المنطق والخرافة؛ الحقائق والأساطير، وضوح العدد وغموض اللانهاية، الموت والحياة، الوعي والمادة. وهكذا في صور درامية أنيقة تحافظ على براءة السرد. والكاتب هنا يحاول أن يغزو المناطق الصامتة عند حدود الوعي البشري؛ ما الذي يأتي بعده؟".


نشر المقال في موقع العرب فبرار 2023



Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري