الفصل التاسع من رواية عن النمل والديناصورات لتسيشين ليو

قمة الديناصورات والنمل

عُقد منذ عصر البخار  قمة الديناصورات والنمل سنويًا دون توقف. ليصبح أهم اجتماع في العالم الطباشيري ، حيث جمع قادة الديناصورات والنمل معًا لمناقشة العلاقات بينهما والقضايا الرئيسية التي تواجه العالم.

قرر عقد القمة هذا العام في القاعة العالمية لإمبراطورية غوندوان، في أكبر مبنى عرفته الحضارة الطباشيرية. كانت مساحتها الداخلية ذات أبعاد ملحمية لدرجة ان صار بها طقس جوي خاص بها. وتتشكل الغيوم داخل سقفها  المقبب ، مما أدى إلى هطول الأمطار والثلوج ، وتسبب اختلافات درجات الحرارة في أجزاء مختلفة من القاعة في هبوب رياح. هذه الظاهرة التي لم يتوقعها مهندسو القاعة - جعلت مناخ القاعة زائدة عن الحاجة بشكل مؤثر ، فصار التواجد داخل القاعة يشبه إلى حد كبير الوقوف في الهواء الطلق. وفي عدة مناسبات ، تعرضت اجتماعات القمة لأمطار أو عواصف ثلجية ، مما استلزم بناء غرفة أصغر مؤقتة في وسط القاعة. ومع ذلك ، كان الطقس اليوم داخل القاعة صافياً وجميلاً وأكثر من مائة ضوء ينبعث من قبة السماء مثل شموس صغيرة لامعة.

جلس وفد الديناصورات ، برئاسة إمبراطور جوندوانا ورئيس جمهورية لوراسيا ، حول مائدة مستديرة كبيرة في وسط القاعة. ورغم أن الطاولة بحجم ملعب كرة قدم ، إلا انها بالنسبة لمساحة الصالة الواسعة ليست أكبر من ذرة  . كان وفد النمل بقيادة القنصل الأعلى لاتحاد النمل كاتشيكا ، الذي وصل لتوه ، بمناطيد تنجرف مثل ريشة بيضاء نحو المائدة المستديرة. عندما طافت المناطيد المصنوعة من ألياف حرير بروتونية ،نفخ الديناصورات هواءا  عليها ، فاطاحتها  في الهواء. زأرت الديناصورات ضحكا على هذا. كانت مزحة تقليدية تمارس في القمة كل عام. سقط بعض النمل من المنطاد على الطاولة. ورغم وزنهم الخفيف بما يكفي لعدم تعرضهم لأي ضرر ، إلا أنه كان لا يزال عليهم السير طول الطريق إلى وسط الطاولة.

تمكن باقي النمل من الحفاظ علي اتزان منطادهم والهبوط به على طبق الكريستال الذي في منتصف الطاولة - حيث مقعدهم خلال القمة. لم تتمكن الديناصورات المتواجدة حول حافة الطاولة من رؤية النمل من مسافة بعيدة جدًا ، لكن الكاميرا الموجهة نحو الطبق عرضت صورة للنمل على شاشة ضخمة من جانب واحد ، مما جعلها تبدو ضخمة مثل الديناصورات. وقد بدت الحشرات الصغيرة ، المكبرة ، أكثر صلابة وأناقة وأقوى من الديناصورات ، أجسامها المعدنية تمنحها مظهر المحاربين المستعدين للمعركة.

كان الأمين العام للقمة من فصيلة الستيجوسورس ذو صف من الصفائح العظمية علي ظهره. وأعلن افتتاح الاجتماع فهدأ الحاضرون على الفور. ثم وقفوا جميعًا وألقوا التحية وعلم الحضارة الطباشيري يرتفع ببطء فوق سارية طويلة وبعيدة. يصور العلم ديناصورًا هجينًا يعرض السمات المميزة لكل نوع من أنواع الديناصورات جنبًا إلى جنب مع نملة ذات مكانة متساوية ، تتكون من نمل أصغر. ويقف المخلوقان في مواجهة شروق الشمس.

بدون مقدمات ، انتقل الاجتماع على الفور إلى البند الأول في جدول الأعمال: مناقشة عامة حول الأزمات العالمية الكبرى. تحدثت القنصل الأعلى لاتحاد النمل كاتشيكا أولاً. وحين لوحت  النملة البنية الضئيلة بقرون استشعارها، قام جهاز بترجمة الفيرومونات إلى لغة ديناصورات بسيطة

قالت كاتشيكا: "حضارتنا تتأرجح على حافة الهاوية. الصناعات الثقيلة في عالم الديناصورات تقتل الأرض. تدمر النظم البيئية ، والغلاف الجوي مليء بالضباب الدخاني والسموم ، والغابات والمراعي تختفي بسرعة. القارة القطبية الجنوبية آخر قارة تم فتحها، لكنها كانت أول قارة تم اختزالها إلى لا شيء ،صارت مجرد صحراء ، والقارات الأخرى تتجه إلى نفس المصير.  انتشر  الآن هذا الاستغلال الوحشي إلى المحيطات. إذا استمر الصيد الجائر وتلويث المحيطات بالمعدل الحالي ، فسوف ينتهوا أيضًا في أقل من نصف قرن. لكن كل هذا لا يقارن بمخاطر الحرب النووية. يعيش العالم الآن في سلام ، لكن الحفاظ على السلام من خلال الردع النووي يشبه المشي على حبل مشدود فوق نيران الجحيم. يمكن أن تندلع حرب نووية في أي لحظة ، وستكون هذه نهاية كل شيء ، لأن الترسانة النووية لمراكز القوي  لعالم الديناصورات قادرة على تدمير كل أشكال الحياة على الأرض مائة مرة.

"لقد سمعنا كل هذا من قبل" ، قال الرئيس اللوراسي دودومي ، وهو تاربوسورس جبلي. وهو يبرم شفته بازدراء.

تابعت كاتشيكا وهي تهز قرون استشعارها تجاهه: "إن استهلاككك النهم للموارد الطبيعية هو أصل كل هذا". "كمية الطعام التي يحصل عليها أحدكم في وجبة واحدة فقط تكفي لإطعام مدينة كبيرة من النمل ليوم كامل. إنه ببساطة ليس عدلاً ".

"ما تقوليه هراء ايتها الحشرة الصغيرة ،" انفجر إمبراطور غوندوان صائحا وهو تيرانوصور قوي اسمه داديوس. "لا يسعنا إلا أن نكون بهذا الحجم. هل تريدنا ان نتضور جوعا؟ كي نبقي على قيد الحياة ، يجب أن نستهلك ، ولهذا نحتاج إلى الصناعات الثقيلة والطاقة.

"إذن عليك استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة."

"هذا غير ممكن. تلك المراوح الصغيرة والخلايا الشمسية التي يعتمد عليها النمل لا يمكنها حتى تشغيل ساعة معصم إلكترونية لدينا. مجتمع الديناصورات متعطش للطاقة. ليس لدينا خيار سوى استخدام الفحم والنفط - والطاقة النووية بالطبع. التلوث لا مفر منه.

يمكنك تقليل استهلاكك للطاقة من خلال التحكم في حجم سكانك. يبلغ تعداد الديناصورات في العالم الآن أكثر من 7 مليارات. لا يمكن السماح لها بالزيادة اكثر من ذلك

هز دادايوس رأسه الهائلة وأدار عينه الضخمة. وقد كان مشهده رهيبا. "الرغبة في التكاثر هي الغريزة الأكثر طبيعية في كل أشكال الحياة" ، والنمو والتوسع أمر جوهري لتقدم الحضارة. للبقاء على قيد الحياة ، وللحفاظ على قوتها ، يجب أن يكون عدد سكان البلد كبير بما فيه الكفاية. ثم ألقى ما يشبه قفاز ذو مخالب . "إذا كانت لوراسيا على استعداد لتحطيم بيضها ، فإننا نحن ديناصورات جوندوان سنحطم عددًا مساويًا منه."

سارع دودومي ، رئيس جمهورية لوراسيا ، إلى الرد. "ولكن ، كما تعلمون جيدًا ، جلالة الملك ، تمتلك جوندوانا ما يقرب من 400 مليون ديناصور أكثر من لوراسيا"

أجاب دادايوس: "كما تعلم جيدًا ، سيدي الرئيس ، معدل النمو السكاني في لوراسيا أعلى بثلاث نقاط مئوية من معدل نمو جوندوانا".

 "لن تسمح الطبيعة ببساطة للوحوش التي لا تشبع بالتكاثر دون رادع"قالت كاتشيكا وأحد قرون استشعارها  يشير إلى دودومي والآخر إلى دادايوس "هل سيتطلب الأمر كارثة حتى تستعيدوا صوابكم؟"

"كارثة؟" قهقه دودومي. لقد نجت الديناصورات لعشرات ملايين السنين. لا توجد كوارث لم نشهدها من قبل!

"بالضبط." قال دادايوس ، وهو يلوح بمخالبه في الهواء ، "سنقلق بشأن ذلك حين يحدث، من طبيعة الديناصورات أن تدع الأمور تأخذ مجراها. نوعنا يأخذ الحياة كما هي ولا يخشى شيئًا."

"ولا حتى حرب نووية شاملة؟ حين تأتي تلك اللحظة الأخيرة من الدمار النهائي ، لا يمكنني رؤية  أي طريق سيكون متاحا لك ".

"حسنا ، ايتها الحشرة الصغيرة ، في هذه النقطة نحن متفقون." أومأ دادايوس. "نحن لا نحب الأسلحة النووية أيضًا ، لكن لوراسيا نشرت الكثير لدرجة أنه ليس لدينا خيار آخر. إذا دمروا أسلحتهم ، فسنحذو حذوهم ".

"ها ها. سيكون هذا هو اليوم الموعود"  حرك دودومي اصبعه السمين تجاه دادايوس ضاحكا " أنت بالتأكيد لا تصدق أننا سنقع في في هذا الهراء ، أليس كذلك؟"

"من نافلة القول أنه يجب علي لوراسيا يكونوا اول من يدمر أسلحتهم النووية ، بما انكم من ابتكرتموها".

"لكن إمبراطورية غوندوان هي التي صنعت أول صواريخ عابرة للقارات"

قطعت كاتشيكا  كلامهم بتمويج قرون الاستشعار. "ماذا يهم في من فعل منذ قرون مضت؟ نحن بحاجة إلى مواجهة حقيقة ما يحدث هنا والآن ".

"ما يحدث هنا والآن هو أن لوراسيا تعتمد كليًا على أسلحتها النووية" قال دادايوس "وبدونها ، لن تكون هناك فرصة للصمود، هل تتذكر معركة فيلا فلات؟ قاد الإمبراطور الأول لجندوانا 2.5 مليون تيرانوصور ضد 5 ملايين تربوصور في القارة القطبية الجنوبية ودفعهم للهزيمة. لا يزال الدليل موجودًا في القطب الجنوبي ليراه الجميع ، يخلد ذكراها  بتل رائع من الهياكل العظمية اللوراسية!

ورد دودومي: "في ضوء ذلك ، بالتأكيد ستتذكر جلالتك الدمار الثاني لمدينة بولدر، 400000 تيروداكتيلوس مجنح من سلاح الجو اللوراسي حلقوا فوق عاصمة جوندوانا  على ارتفاع منخفض وأسقطوا أكثر من مليون قنبلة حارقة. بحلول الوقت الذي دخل فيه الجيش اللوراسي إلى المدينة ، كان الجندوانين قد تم القضاء عليهم تماما"

'تلك وجهة نظري بالضبط! أنتم ايها اللوراسيين جبناء ، تقومون دومًا بهجمات مفاجأة بأسلحة جوية وبعيدة المدى ولكنكم لا تملكوا شجاعة القتال وجهاً لوجه!. إنكم حقًا ديدان حقيرة ومثيرة للشفقة."

"حسنًا ، جلالة الملك ، لما لا نري للجميع هنا  أي واحد منا هو الدودة المثيرة للشفقة؟" وهكذا، قفز دودومي فوق  المائدة المستديرة العظيمة ، ملوحًا بمخالبه الحادة وهو يندفع تجاه دادايوس.

قفز إمبراطور الجندوان على الفور على الطاولة لمواجهته ، لم تتدخل الديناصورات الأخرى، فقط ظلوا جانبا يهتفوا  بحماس. في الاجتماعات الدولية في عالم الديناصورات يحدث ان تبادلت الضربات بانتظام . وقد اعتاد النمل أيضًا على هذا المشهد. ونظرًا للعواقب المحتملة ، انطلقوا بسرعة تحت الطبق الزجاجي المتين لتجنب الانسحاق تحت أقدامهم

بدت الديناصورات وهي تتعارك عبر منشور الطبق الزجاجي جبال تتحرك حول بعضها بسرعة ، واهتز بعنف سطح الطاولة المستديرة . كان داديوس يتمتع بميزة الوزن والقوة ، لكن دودمي كان أكثر رشاقة.

'كفوا عن القتال! ما خطبكم؟ "صاح النمل من تحت الطبق ، وضخم نظام الترجمة أصواتهم 

توقف الديناصوران ، وتنفسا بصعوبة ، لينسحبا من فوق الطاولة ويعوادا إلى مقاعدهما. كلاهما غطى بخدوش طويلة. ويحدقا في بعضهم البعض.

قال الأمين العام: "حسنًا ، دعونا ننتقل إلى البند التالي على جدول الأعمال".

"لا!" قالت كاتشيكا بحزم "لن تكون هناك بنود أخرى تناقش في هذه القمة. بالنظر إلى أن هذه المسألة الحيوية المتعلقة بوجود عالمنا لا تزال دون حل ، فإن جميع الموضوعات الأخرى أصبحت بلا معنى."

"لكن ، سيدتي القنصل الأعلى ، في كل قمم الديناصورات والنمل في العقود القليلة الماضية تضمن النقاش التلوث البيئي والتهديد النووي ، ولم يأتِ منها شيء على الإطلاق. لقد أصبح أمرًا روتينيًا ، لا شيء سوى طقوس ، مضيعة لوقت وصبر الجميع ".

'ولكن هذه المرة مختلفة. من فضلك صدقني عندما أقول إن أهم قضية تواجه الحضارة على الأرض سيتم حلها في هذا الاجتماع.

"إذا كنتي متأكدًا جدًا ، فارجو ان تكملي"

سكتت كاتشيكا للحظة. وقالت بجدية فور ان هدأ الصخب في القاعة ،  "سأقرأ الآن الإعلان رقم 149 من قبل اتحاد النمل. "من أجل استمرار الحضارة على الأرض ، يطالب اتحاد النمل بالمطالب التالية على إمبراطورية جوندوان وجمهورية لوراسيا.

"واحد: وقف كل عمليات التكاثر للسنوات العشر القادمة لإحداث انخفاض صاف في تعداد الديناصورات. بعد عشر سنوات ، يجب إبقاء معدل المواليد أقل من معدل الوفيات لضمان استمرار انخفاض عدد السكان ، ويجب أن يظل منخفضًا لمدة قرن.

"" ثانيًا: إغلاق ثلث جميع الصناعات الثقيلة على الفور ، وعلى مدار السنوات العشر التالية مع انخفاض عدد السكان يغلق ثلثًا آخر . يجب تقليل التلوث البيئي في النهاية إلى مستوى يمكن أن يتحمله الغلاف الحيوي للأرض.

ثالثًا: البدء فورًا في نزع السلاح النووي بالكامل. يجب تدمير الأسلحة النووية تحت إشراف اتحاد النمل ، مع إطلاق جميع الرؤوس الحربية النووية في الفضاء باستخدام صواريخ عابرة للقارات ".

كان هناك  بعض الضحك من الديناصورات. أشار دودومي بمخلبه إلى طبق الكريستال. لقد أصدرتم هذا الإعلان عشرات المرات من قبل. كاشيكا ألم تتعبوا منها بعد ؟ سوف تخنق حضارة الديناصورات العظيمة. لا يمكنك أن تتخيل بجدية أننا سنقبل هذه المطالب السخيفة"

 أمالت كاتشيكا قرون استشعارها في تأكيد. "نحن نعلم ، بالطبع ، أن الديناصورات لن تقبل هذه المطالب".

قال الأمين العام و صفائحه العظمية تقعقع فوق ظهره: "حسنًا ، أعتقد أنه يمكننا الانتقال إلى البند التالي. شيء أكثر واقعية.

"فضلا انتظر لحظة " قالت كاتشيكا "هناك المزيد "،  نصبت قامتها رأسيا . "إذا لم يتم تلبية المطالب المذكورة أعلاه ، فسوف يعمل اتحاد النمل علي ضمان استمرار الحضارة على الأرض."

صُدمت الديناصورات في صمت ، متلهفة لسماع أي خطة عمل يمكن أن يفكر فيها هذا المخلوق الصغير. كانت فكوكهم العملاقة معلقة  في بلادة 

"إذا لم يمتثل عالم الديناصورات على الفور للمطالب المنصوص عليها في هذا الإعلان ، فإن جميع النمل البالغ عددهم 38 مليارًا العاملين في إمبراطورية جوندوان وجمهورية لوراسيا سيضربون."

تشكلت غيوم رقيقة في السماء المقببة ، تطفو مثل شاش قطني ناعم ، تلقي بأنماط متغيرة من الضوء والظل على أرضية القاعة الواسعة. ولفترة طويلة ، طويلة ، لم ينطق بكلمة واحدة.

أخيرًا ، أجاب دودومي. قال: "أنت تمزحي بالتأكيد ايتها القنصل الأعلى كاتشيكا؟"

تمت صياغة هذا الإعلان بشكل مشترك بواسطة جميع الدول الأعضاء في اتحاد النمل البالغ عددها 1145 دولة. عزمنا لا يتزعزع.

"القنصل الأعلى ، أنا واثق من أنك أنت ورفاقك النمل تدركوا" - توقف دادايوس مؤقتًا عن الكلام لفرك عينه اليسرى ، والتي بدت كخدش سببه القتال مع دودومي - "أن تحالف الديناصورات والنمل قد استمر لثلاثة آلاف سنة. إنه حجر الزاوية للحضارة على الأرض. صحيح أن عالمنا حارب بعضهما البعض خلال تاريخنا الطويل معًا ، لكن تحالفنا صمد رغم ذلك ".

"عندما يكون المحيط الحيوي للكوكب بأكمله على المحك ، فإن اتحاد النمل يترك بلا خيار."

"لا تتلاعبي بنا" قال دودومي "وتذكري الدرس المستفاد من حرب الديناصورات والنمل الأولى. إذا دخل النمل في إضراب ، فسوف يتوقف الإنتاج الصناعي لعالم الديناصورات ، وستتضرر أيضًا العديد من المجالات الأخرى ، بما في ذلك القطاع الطبي. يمكن أن ننظر إلى الانهيار الاقتصادي الشامل ليس فقط لعالم الديناصورات ولكن لاتحاد النمل أيضًا. سيؤثر مسار العمل هذا على الكوكب بأسره بطرق لا يمكننا التنبؤ بها."

"دارت حرب الديناصورات والنمل الأولى حول الاختلافات الدينية ، لكن هذه المرة نحن النمل ننسحب من التحالف لإنقاذ الحضارة على الأرض. نظرًا للأهمية القصوى لما هو على المحك هنا ، فإن اتحاد النمل مستعد لتحمل العواقب ".

ضرب دادايوس مخالبه على الطاولة. "لقد دللنا تلك الحشرات الصغيرة!"

"إن الديناصورات هم المدللة ،" قالت كاتشيكا. "لو كان عالم النمل قد وضع المكابح في وقت أقرب ، لما خرج عالم الديناصورات عن نطاق السيطرة ولم يصبح بهذا الجنون والغطرسة".

هدأت القاعة مرة أخرى ، لكن هذه المرة كان الهواء مشحونًا بطاقة مخيفة علي وشك الانفجار. وكان دودومي مرة أخرى  أول من كسر حاجز الصمت.

نظر حول الغرفة قائلا بشكل غامض ، "حسنًا ، أعتقد أنني بحاجة إلى لحظة بمفردي مع النمل."

صعد إلى المائدة المستديرة ، وانحني أمام طبق من الكريستال ، ثم رفعه عن الطاولة ، والتقطه وحمل النمل بعيدًا ، بعيدًا عن سمع الديناصورات الأخرى.

قام بسحب جهاز مترجم مضغوط من جيب سترته وخاطب كاتشيكا مباشرة.

سيدتي القنصل الأعلى ، إعلان اتحاد النمل ليس أمر غير منطقي تمامًا. يمكن للجميع ادراك أن الحضارة على الأرض تواجه أزمة. إن جمهورية لوراسيا حريصة على حل هذه الأزمة أيضًا ، إلا أننا لم نعثر على الفرصة المناسبة. لكن يخطر ببالي الآن أن هناك اختصارًا واضحًا يمكننا ان نسير فيه... "

توقف مؤقتًا ، ليري قرون استشعارها وهي تهتز تجاهه ، وجزئيًا من أجل التأثير الدرامي.

"يمكن للنمل ان يدخل في اضراب" - اظهر دودومي مجموعته الكاملة من أنيابه الحادة المرعبة بابتسامة رهيبة ، "لكن في إمبراطورية غوندوان فقط. وحين ينهار اقتصاد غوندوان وتحدث الفوضى الاجتماعية ، ستشن جمهورية لوراسيا هجومًا شاملاً وتسحق الجندوان بضربة واحدة. سيكونوا ضعفاء ولن نحتاج إلى اللجوء لحرب نووية. سنحتل بلادهم ونغلق كل مصانعهم. أما بالنسبة لمشكلة السكان ، فإن الحرب ستقضي على ما لا يقل عن ثلث الديناصورات في جوندوانا ، ولن يُسمح للناجين بالتكاثر لمدة قرن.

زفر بقوة ، ولم ينكر رضاه عن نفسه. "الآن ، ألا يلبي ذلك مطالب الاتحاد؟"

قالت كاتشيكا من وسط الطبق الزجاجي: "كلا يا سيدي الرئيس". هز المسؤولون الآخرون من النمل رؤوسهم من حولها . "هذا لن يغير طبيعة عالم الديناصورات ، وعاجلاً أم آجلاً سنعود إلى ما نحن عليه الآن. حرب عالمية على النطاق الذي تتخيله سيكون لها بالتأكيد عواقب غير متوقعة. والأهم من ذلك ، أن اتحاد النمل يقدم دائمًا نفس المعاملة لجميع الديناصورات ، بغض النظر عن الفصيلة أو الجنسية. في جميع أنحاء عالم الديناصورات ، نقوم بنفس العمل مقابل نفس التعويض ، ولا نشرك أنفسنا أبدًا في اموركم السياسية أو حروبكم. هذا هو المبدأ الذي كرمه عالم النمل منذ العصور القديمة ، وهو ضروري لحماية الاستقلال المصون لاتحاد النمل.

اختار الأمين العام هذه اللحظة ليصرخ عليهم من المائدة المستديرة. "السيد الرئيس ،" قالها بصوت عال ، "من فضلك أعد الطبق حتى نتمكن من مواصلة الاجتماع."

هز دودومي رأسه وتنهد. "حشرات حمقاء! لقد أضعتم الفرصة لصنع التاريخ." لكنه فعل ما كان عليه وعاد إلى المائدة المستديرة.

بمجرد أن أعاد دودومي الطبق الي مكانه المخصص له ، وصل الإمبراطور دادايوس عبر الطاولة وانتزعها. "اعتذاري للجميع ، ولكن يجب أن أتحدث الآن مع تلك الحشرات على انفراد."

وفي تكرار لما فعله دودومي للتو ، حمل دادايوس طبق الكريستال ، وسحب مترجمه الخاص مخاطبا كاتشيكا "حسنا ايتها  القنصل الأعلى الصغيرة جدا ، يمكنني تخمين ما قاله لك ذلك الاحمق ، لكني اقول لك ،لا تثقوا به. يعلم الجميع كم هو متآمر ماكر ومتواطئ. هؤلاء اللوراسيون هم من يحتاجوا إلى القضاء عليهم ".

أدار رأسه وطقطق بفكيه المخيفين تجاه منافسه اللوراسي. فاهتز الطبق بشكل مخيف.

"نحن الجندوانين لا يزال لدينا فكرة عن كيفية التعايش السلمي مع الطبيعة ، وسلوكنا مقيد بإيماننا الديني. لكن الديناصورات اللوراسية هي ديناصورات لا يمكن إصلاحها - فهم عباد تقنية من قرونهم إلى ذيولهم. إن إيمانهم بسيادة الآلات والصناعة والأسلحة النووية لا يتزعزع ، أكثر بكثير من إيماننا به. هؤلاء الأوغاد لن يغيروا سبلهم! اسمعوا أيتها الحشرات يجب أن تضربوا لوراسيا. أو ، الأفضل من ذلك ، إحدثوا فوضى واسعة النطاق. ستشن إمبراطورية جوندوان هجوما شاملاً وتمسح تلك الدولة القذرة من على وجه الأرض! ايتها الحشرات الصغيرة ، هذه فرصتك الكبيرة للقيام بعمل بطولي من أجل الحضارة على الأرض ".

ومع ذلك ، لم يكن لدى كاشيكا جديدا تضيفه لذا كررت ببساطة لإمبراطور غوندوان ما قالته في وقت سابق لرئيس لوراسيا.

كان دادايوس غاضبًا. فقال في هدير "ما الذي يمنحك الحق ايتها الطفيليات القذرة في الاشراف على حضارة الديناصورات العظيمة؟" وبحركة سريعة غاضبة بيده  ألقي بالطبق ليندفع على الأرض.

ارتجف وفد النمل على الأرض بعد ثوانٍ قليلة من هبوط الطبق.

"فلتعلموا أننا نحن من نحكم الأرض وليس أنتم. أنتم لست أكثر من ذرات غبار حي!

وقف كاتشيكا على أرضية القاعة وحدقت في إمبراطور الجندوان الذي يعلو فوقها ، ورأسه بعيدًا عن أفق بصرها. "جلالتك ، في أوقات كهذه ، فإن الحكم على قوة الحضارة بحجم أفرادها هو ذروة السذاجة. أقترح أن تقرأ عن تاريخ أول حرب بين الديناصورات والنمل ".

لكن جهاز المترجم كان بعيدًا جدًا ولم يسمعها دادايوس. صرخ قائلاً: "إذا تجرأ النمل على المضي قدمًا في هذا الأمر ، فسوف يندمون على هذا اليوم. سيكون هناك انتقام  لم يحدث من قبل. لا رحمة!"

قام ممثلوا إمبراطورية جوندوان وجمهورية لوراسيا مغادرين الطاولة المستديرة  ، وأدى الخطو الثقيل لأقدامهم إلى اهتزاز الأرض ، مما ادي الي تطاير الغبار من الأرض وأعضاء وفد النمل معها. لكن الديناصورات سرعان ما اختفت ، لمسافة بعيدة ، تاركة النمل يواجه رحلة طويلة عبر سطح الرخام الناعم اللامع. تعكس  طبقة زنجارها المصقول الضوء الأبيض للشمس التي  ترصع السماء المقببة الممتدة إلى ما لا نهاية ، تمامًا مثل المستقبل المجهول في عقل كاتشيكا.