ترجمة الفصل الثاني رواية عن النمل والديناصورات ل تسيشين ليو


 الفصل الثاني
عصر استكشاف جسم الديناصور


بعد يومين من لقاء النمل والديناصور ، وفي ظهر شديد الحرارة ، هز سكان بلدة النمل زلزال آخر. فانطلقوا إلى السطح فقابلوا الشكل الشاهق للديناصور ، فأدركوا على الفور أنه هو من كان هنا من قبل  .حيث كان راكعا يبحث عن شيء ما في الأرض. وحين رأي المستعمرة ، رفع مخلبه بين اسنانه. فهم النمل  الامر على الفور ، وفي اشارة موحدة لوح النمل جميعًا بقرون استشعارهم في حماس. وضع الديناصور ذراعه على الأرض سامحا للنمل بالتسلق. وكما حدث تمامًا منذ يومين تكرر نفس المشهد ، وحصل النمل  علي وجبة من بقايا اللحم العالقة بين أسنان الديناصور ، وتم تخليصه من إزعاج بسيط في الأسنان.


بعد ذلك بفترة ، اصبح الديناصور يبحث بشكل روتيني عن بلدة النمل حتى يخلل أسنانه. وكان النمل قادرا  علي أن يشعر بوقع قدمه من على بعد كيلومتر واحد، وتمييزه بدقة عن أقدام الديناصورات الأخرى. ومعرفة -من الاهتزازات -  في أي اتجاه  يتحرك . فإذا كان متجهًا نحو بلدتهم  اندفع النمل بشغف إلى السطح ، ضامنين  إمدادات غذائية لهذا اليوم . وعلي رغم كون احد طرفي هذا التعاون ضخما كبير الحجم والطرف الاخر ضئيل الحجم بما لا يقبل الجدال  ، فلم يستغرق الامر وقتها طويلا حتي اصبح هذا التفاعل المتبادل بينهما جيد ومصقول 


ذات يوم ، كانت الاهتزازات القادمة من السطح مختلفة وغير مألوفة. وحين تدفق النمل  إلى السطح للتحقق من الامر ، رأوا شريكهم قد أحضر ثلاثة تيرانوصورات-ركس اخري و تاربوصوراس ! أشارت جميع الديناصورات الخمسة إلى أسنانها ، وطلبت مساعدة النمل. قام عمدة البلدة - مدركًا عجز مستعمرته عن القيام بمهمة ضخمة كهذه بمفردها -  بإرسال مبعوثيه بأقصي سرعة للتواصل مع بلدات النمل الأخرى في المنطقة. وسرعان ما تدفقت من بين الأشجار ثلاثة أنهار عظيمة من النمل  ، وتجمع جيش قوامه أكثر من 6000 نملة فوق المرج العشبي. وكان يتطلب لخدمة كل ديناصور  1000 نمل ، أو بالأحرى ، فإن اللحم الذي بين أسنان ديناصور واحد يمكن أن يشبع 1000 نمل.


في اليوم التالي ، جاء ثمانية ديناصورات لتنظيف أسنانهم ، وبعد بضعة أيام ارتفع هذا العدد إلى عشرة. كان معظمهم من آكلات اللحوم الكبيرة للغاية وكان لهم تأثير كبير على المنطقة المحيطة ببلدتهم. حيث داسوا على اشجار  السيكاسيا المجاورة ، فقاموا بتوسيع المرج بشكل كبير ، وفي نفس الوقت قاموا بحل مشاكل الطعام لعشرات من مدن النمل في المنطقة المجاورة.


ومع ذلك ، لم يكن أساس هذا التعاون بينهما مضمونا بأي حال من الأحوال. كبداية ، كان وجود اللحم محشورا بين أسنانهم مجرد إزعاج لهم ، مقارنة بالصعوبات التي لا تعد ولا تحصى التي تواجه الديناصورات - كالجوع حين تكون الفرائس نادرة ، والعطش حين تجف مصادر المياه ، والإصابات التي تلحق بها في المعارك مع  الديناصورات الاخري ، ناهيك عن مجموعة من الأمراض المميتة - لذا كان عدد الديناصورات التي بحثت عن النمل لتنظيف أسنانها  قليل ، وفعلوا ذلك بدافع الفضول أو من أجل العبث ، وبالمثل للنمل بمجرد انتهاء موسم الجفاف ، سيصبح الطعام وفيرًا مرة أخرى ، ولن يحتاجوا بعدها إلى الاعتماد على هذه الطريقة غير التقليدية في الحصول على وجبتهم اليومية.  وكان حضور تلك المآدب الرهيبة في أفواه الديناصورات - تمامًا مثل بوابات الجحيم - شيئًا لم يستمتع به معظم النمل.


دفع وصول تربوصور لديه تسوس في الأسنان خطوة كبيرة إلى الأمام في التعاون بين الديناصورات والنمل. حيث جاء بعد ظهر ذلك اليوم ، تسعة ديناصورات لتنظيف أسنانها ، لكن هذا التربوصور بالذات لا يزال يبدو مضطربًا حتى بعد الانتهاء من تخليل الاسنان ؛ يمكن للمرء حتى أن يصف مزاجه بالتوتر والاضطراب ، فرفع ساعده عالياً لمنع النمل من مغادرة فمه وأومأ بمخلبه الآخر بإصرار على أسنانه.


قاد العمدة المسؤول عن تلك المستعمرة بضع عشرات من النمل مرة أخرى إلى فمه وفحص صف الأسنان بعناية. اكتشفوا بسرعة عدة تجاويف في جدران المينا الملساء ، كل منها كبير بما يكفي ليسمح بدخول نمل أو ثلاثة جنبًا إلى جنب. دخل العمدة في شجاع أحد تلك  التجاويف ، وزحف نمل آخر بعده. قاموا بفحص جدران الممر الواسع. كانت أسنان الديناصورات صلبة للغاية ، وأي شيء يمكنه اختراق مادة صلبة كهذه كان بلا منازع حفارًا منافس للنمل نفسه.


شعر النمل انهم ف الطريق الصحيح حين ظهرت فجأة دودة بحجم ضعف حجمهم مرتين  ، من ممر متفرع ، تلوح بزوج مخيف من الفك السفلي الحاد. بنقرة واحدة ، قضمت رأس العمدة. ثم اندفع من العدم لفيف من ديدان اخري  ، شقت صفوف النمل في النفق وشنت هجومًا شرسًا ضدهم. كان النمل منهكًا جدًا في الدفاع عن نفسه وفي لحظة ذبح أكثر من نصفهم. أولئك الذين تمكنوا من اختراق الحصار وتجاوزا  الديدان السوداء ساروا وتاهوا  في ممرات التجاويف



نجا من التجويف  خمسة نملات فقط من الطاقم الأصلي  ، أحدهم كان يحمل رأس العمدة. رأس النملة يحتفظ بالحياة والوعي لفترة طويلة نسبيًا بعد انفصالها عن الجسد، وهكذا ، على الرغم من أنها تبدو غريبة الا ان رأس العمدة كان قادرًا على مخاطبة آلاف النمل الذين لا يزالون منتظرين على ساعد الديناصور. في اجتماع كان واضحا أنه أكبر بكثير من محادثات ثنائية بسيطة ، أوضح العمدة عديم الجسد الموقف فيما يتعلق بأسنان التربوصور ، وأصدر لهم أمرًا نهائيًا ثم مات بعدها .


سار الآن فريق من النمل مكون من 200 جندي في فم الديناصور في خط مستقيم تجاه السن الأول. وعلى الرغم من أن النمل الجندي كان ماهرًا في القتال ، إلا أن حجم الديدان السوداء كان أضعاف حجمه. ونظرًا لمعرفتهم ببنية الأنفاق ، نجحت الديدان في افشال هجوم النمل العسكري ، مما أسفر عن مقتل العشرات النمل وإجبار الباقين على التراجع.


بدأت الروح المعنوية بالارتفاع ، بمجرد  تعزيزات من بلدة أخرى. كانت هذه القوات من نوع مختلف من النمل الجندي. على الرغم من صغر حجمهم ، إلا أنهم يمتلكو قوة مميتة وتمكنوا من شن هجمات مدمرة باستخدام حمض الفورميك. اندفعت الكتيبة الجديدة إلى النفق ، واتخذت موقعها ، ودارت 180 درجة ، موجهة مؤخرتها نحو العدو وأطلقت رذاذًا ناعمًا من قطرات حمض الفورميك. حولت الديدان السوداء إلى كتل محترقة في غضون ثوان. يخرج دخان قاتم من بقاياهم .


تدفقت كتائب أخرى من جنود النمل . كانت أيضًا اصغر نسبيًا ، لكن فكها السفلي سامًا - لدرجة أن لدغة صغيرة يمكن أن تتسبب في ارتعاش دودة سوداء مرتين وتسقط ميتة. صارت المعركة الآن على قدم وساق ، وجيش النمل يتحرك  من سن إلى سن ، يجتاث في طريقه الديدان السوداء. والدخان الحامضي ينبعث من كل تجويف. قام فريق من النمل العامل بنقل الجثث من فم الديناصور ووضعها على ورقة في راحة يده. سرعان ما تراكم فوق الورقة الديدان السوداء الميتة ، والعديد منهم مازالوا يدخنون. تجمعت العديد من الديناصورات الأخرى حول التاربوسورس ، وهي تنظر في دهشة.


بعد نصف ساعة ،  تم تطهير آخر الديدان السوداء وانتهت المعركة. امتلأ فم التاربوسورس بطعم غريب لحمض الفورميك ، لكن مشكلة اسنانه التي أزعجه طوال معظم حياته اختفت. فبدأ في الزئير بحماس ، مشاركا المعجزة مع جميع الديناصورات الحاضرين .


انتشر الخبر بسرعة عبر الغابة ومسببا  ارتفاع كبير في عدد الديناصورات التي تزور النمل. البعض منهم ما زالوا يريدون تخليل أسنانهم ، لكن المعظم جاءوا للبحث عن علاج لأمراض الأسنان ، لانتشار  تسوس الأسنان بين الحيوانات آكلة اللحوم والحيوانات العاشبة على حد سواء. وفي الأيام الأكثر ازدحامًا ، كانت عدة مئات من الديناصورات تتجمع في المرج ، وهي تتحرك في حذر بين تيارات النمل العظيمة. كان مشهدًا صاخبًا ومزدهرًا. وتبعا لذلك ، كانت هناك أيضًا زيادة حادة في عدد النمل الذي جاء لخدمة الديناصورات ، وعلى عكس مرضاهم ، نادراً ما غادر النمل بمجرد وصوله. وهكذا ، ما بدأ كمدينة عادية الحجم انفجرت في مدينة ضخمة تضم أكثر من مليون نملة. كانت تسمى قلعة العاج واشتهرت كأول مكان لتجمع النمل والديناصورات على وجه الأرض.


مع ازدهار الأعمال ونهاية موسم الجفاف ، لم يعد النمل راضيًا عن بقايا الطعام التي يتم يجمعها بين أسنان الديناصورات. فبدأ عملاؤهم في الدفع مقابل خدماتهم الطبية بالعظام واللحوم الطازجة. وصار النمل في قلعة العاج في غير بحاجة إلى البحث عن الطعام ، فقد أصبحوا أطباء أسنان محترفين. أدى هذا التخصص إلى تطورات سريعة في التكنولوجيا الطبية للنمل.


في سياق حملات مكافحة دودة الأسنان ، غالبًا ما كان النمل يسافر على طول التجاويف إلى جذور أسنان الديناصورات. وعند اتصال الأسنان باللثة وجدوا أنابيب سميكة شفافة. وحين تم لمس هذه الأنابيب ، على سبيل المثال أثناء القتال ، كانت الزلازل العنيفة تهز أفواه الديناصورات. بمرور الوقت ، أدرك النمل أن تحفيز هذه الأنابيب تسبب في ألم الديناصورات. لاحقًا ، سموا هذه الهياكل بالأعصاب.


كان النمل منذ زمن بعيد علي علم  بعشب ذي ورقتين يمكن أن يجعل أطرافه يشعر بالخدر - مخدر يكفي ليجنبه الشعور بأي ألم عند تمزق ساقه - وقد يؤدي أيضًا إلى نومه لعدة أيام. قفاموا الآن باستخدام عصير تلك  العشبة على الأعصاب الموجودة في جذور أسنان الديناصورات ، وكانت النتيجة أن الاحتكاك بتلك الأعصاب لم يعد يسبب  حدوث زلازل. غالبًا ما كانت لثة الديناصورات المصابة بأمراض تجعل الاسنان تتعفن ، لكن النمل كان يعرف عشبًا آخر يمكن أن يعزز سائله التئام الجروح. لذلك قاموا بنشر سائل هذه العشبة عبر القرحات الموجودة على لثة الديناصورات وانغلقت بسرعة.


لم يمكّن  تطبيق  تلك الطريق في تقليل الألم والالتهابات فقط من علاج الديناصورات من الإصابة بدودة الأسنان ، بل سمح للنمل  أيضًا بعلاج أمراض أخرى لا تسببها الديدان ، مثل آلام الأسنان والتهاب اللثة. ومع ذلك ، فإن الثورة الحقيقية في التكنولوجيا الطبية للنمل جاءت من خلال استكشاف جسد الديناصورات.


***


النمل مستكشف بطبيعته ، وليس بدافع الفضول - فقد كانوا كائنات غير مكترثة - ولكن في كثير من الأحيان  بدافع غريزي لتوسيع مساحة مستعمرتهم ، ،و أثناء إبادة الديدان أو سكب الدواء على أسنان الديناصور ، كانوا يلقوا نظرة خاطفة على الرواسب السحيقة من فمه. أيقظ ذلك العالم الداخلي المظلم الرطب فيهم رغبة في السفر إلى العالم القابع وراء هذا الظلام  ، لكن الخوف من المخاطر المصاحبة لها كان يوقفهم دائمًا في مساراتهم.


بدأ عصر استكشاف جسد الديناصورات في نهاية المطاف من قبل نملة تدعى دابا - وهي أول نملة ذات اسم في التاريخ المسجل للحضارة الطباشيرية. بعد الكثير من التحضير ، استغلت دابا الفرصة التي قدمها علاج دودة الأسنان وقادت عشرة جنود من النمل وعشرة من النمل العامل في رحلة استكشافية صغيرة الي الأعماق الرطبة لفم الديناصور.


===

في مواجهة الرطوبة الشديدة  بدأت الرحلة ، وتم اجتياز برزخ اللسان الضيق الطويل. وبرزت من عليها براعم التذوق مثل هياكل صخرية ضخمة من الصخور البيضاء اللزجة الممتدة بعيدًا في الظلام. اختار النمل المستكشف طريقهم بينهم. وحين كان الديناصور يفتح فمه ويغلقه ، كان الضوء القادم من العالم الخارجي يتسلل عبر الفجوات بين أسنانه ، ويومض مثل البرق في الأفق ويلقي بظلال طويلة متذبذبة خلف نصب التذوق الحجرية .وحين تلوي لسانه ، ارتفع البرزخ بأكمله وسقط مثل بحر عاصف ، مما تسبب في ظهور تموجات متحركة بين النصب الحجرية ، وفي كل مرة يبتلع فيها الديناصور شيئا ، تتدفق مياه الفيضانات اللزجة من كلا الجانبين ، وتغرق البرزخ وتجبر النمل على التشبث بالبراعم الذوقية خوفًا من الانجراف. وكان الامبر اشبه بالكوابيس ، لكن النمل الشجاع انتظر بصبر انحسار مياه الفيضانات ، ثم واصل مسيره


وبعد فترة طويلة وصلوا إلى جذر اللسان. كان الضوء أضعف بكثير هناك ، بالكاد ينير أفواه الكهفين الهائلين أمامهما. في أحد الكهوف ، كانت عاصفة شديدة تعوي ، تتناوب على امتصاص الهواء ثم طرده ، وعكس اتجاهه كل ثانيتين إلى ثلاث ثوانٍ. لم تكن هناك ريح في الكهف الآخر ، بل كانت هناك قعقعة صاعدة ارتفعت من أعماقها غير المرئية - وهي قعقعة مألوفة للنمل منذ بدأ زمن عملهم على الأسنان ، ولكن الصوت صار أعلى بكثير ، مثل دوي الرعد المستمر. أثار هذا الضجيج الغامض والرهيب أعصاب النمل أكثر من العاصفة ، لذلك قرروا تجربة ممر الريح . علموا لاحقًا أن هذا كان الجهاز التنفسي للديناصور وأن الممر المزعج بشكل مخيف كان المريء.


بوجود دابا في المقدمة ، تقدمت الحملة بحذر شديد   أسفل جدران الجهاز التنفسي الملساء. متقدمين بخطوات عديدة حين تصير  الريح معهم . وحين تصير ضدهم ، يصيرالسير مستحيلا  ، ولا يمكنهم الا تسطيح أجسادهم والإمساك بالجدار بإحكام. ومع ذلك ، وقبل ان ينزلوا بعيدًا جدًا ، بدأت دغدغة أرجلهم في تهيج الجهاز التنفسي. بسعال خفيف ، فوضع الديناصور نهاية لرحلة النمل الأولى. حيث تصاعد إعصار ذو قوة لا يمكن تصورها من أسفل النفق ، مجتاحا المستكشفين من أقدامهم ونفثهم عبر برزخ اللسان بسرعة البرق. دافعا البعض منهم نحو  أسنان الديناصور الضخمة ، والبعض الاخر انفجر مندفعا خارج  فمه.


فقدت دابا إحدى ساقيها الوسطى في الرحلة الاستكشافية الفاشلة ، لكنها سرعان ما نظمت محاولة ثانية دون أن تشعر بالقلق. هذه المرة قررت أنهم سيخوضوا عبر المريء . سارت بدايات الرحلة بسلاسة. دخل النمل المريء وبدأ مسيرة طويلة عبر الممر الصاخب الذي بدي بلا نهاية له وذو صوت مخيف. كان ظلامه المخيف هو أقل مشاكلهم ، وحين توقف الديناصور بجانب نهر وأخذ رشفة من الماء . كان أول ما ادركه المستكشفون صوت زئيرًا عظيمًا خلفهم ، هديرًا عاليًا سرعان ما أخمد الضوضاء التي أمامهم. أمرت دابا الفريق على الفور بالتوقف ، ولكن قبل أن تتمكن حتى من البدء في معرفة ما كان يحدث ، جاء طوفان من الماء يتدحرج في النفق ، متجاوزًا النمل ، ودفعهم إلى زخمه بسرعة مذهلة طوال الوقت. نزولا نحو  المريء و معدة الديناصور.


وفي حالة الذهول والتشوش ، هبطت دابا بشدة وغرقت في لجة. جدفت بسيقانها بأقصى ما تستطيع في محاولة يائسة للهروب من الوحل، لكن لم تستطع التحرك على الإطلاق في تلك المادة اللاصقة. لحسن الحظ ، كانت مياه الفيضان ما تزال تتساقط ، مما خفف من الوحل وقلب كل شيء حوله ، لذا حين بدأت الأمور أخيرًا في الاستقرار ، صارت قادرة على الطفو إلى اعلي. وووجب عليها السير . كانت اللجة تحتها ناعمة ومائية ، لكن كان هناك قطعًا صلبة بأحجام وأشكال مختلفة تتمايل على السطح ، مما اتاح لها الزحف من واحدة إلى أخرى. تقدومت في بطء ، مع ابتلاع اللجة لاقدامها ، لكنها وصلت أخيرًا إلى حافة حفرة الطين.


لتجد امامها  جدار ناعم مغطى بأهداب في طولها تقريبًا مثل غابة قزمية غريبة ؛ وقد كان جدار المعدة في الواقع. فبدأت في تسلقه . وأيا كان الطريق الذي سلكته ، كانت الأهداب تلتف حولها ، في محاولة للإمساك بها ، في رد فعل بطئ يفشل في كل محاولة . الآن تكيفت عينا دابا مع المكان ودهشت حين ادركت  أن المكان لم يكن مظلمًا تمامًا . كان هناك توهج خافت غمر الفضاء ، يشع عبر جلد الديناصور من العالم بالخارج. وفي الضوء ، رأت أربعة زملائها  من النمل يتسلقوا ايضا جدار المعدة . فانحرفت  لتنضم إليهم.


عندما بدأوا في التعافي من صدمة تجربتهم القاسية، حدق النمل الخمسة في البحر الهائل   لعصارة الهضم الذي خرجوا منه للتو ، مفتونين بالمخاض البطئ للوحل اللزج. بين الحين والآخر تنفجر فقاعة كبيرة - فكانت مصدر ذاك الضجيج المدوي . وحين انفجرت أسفلها  فقاعة ضخمة ، رأت دابا جسمًا سميكًا وقصيرا يظهر علي السطح ويميل ببطء علي جانبه . فميزته كساق سحلية. بعد لحظات ، صعد إلى الأعلى جسم آخر ضخم مثلث الشكل. عيناه البيضاء الضخمة وفمه الواسع حددته كرأس سمكة. لحق ذلك الكثير من الاشياء المهضومة جزئيًا ، معظمها إما عظام وبقايا حيوانات ممضوغة أو لب فواكه برية .


لفت أحد النمل - بدفعة - انتباهها الي جدار المعدة أسفل أقدامها. حيث كان يفرز مخاطًا واضحًا. اندمجت اندمجت تلك الافرازات في مجاري مائية تتدفق وهي تتلألأ في الضوء الخافت عبر غابة الأهداب إلى البحر الهضمي بالأسفل. العديد من النمل تغطي  بالفعل بالعصارة. في البداية شعروا  بالوخز في كل مكان ، ولكن سرعان ما اشتد ذلك إلى إحساس حارق لا يختلف عن آثار الهجوم بحمض الفورميك.


صرخت أحدي النملات: "انه يتم هضمنا!" فوجئت دابا بأنها لا تزال قادرة على تمييز  فيرومونات زميلتها  من بين الكوكتيل اللاذع من الروائح الغريبة في الهواء التي لا معنى له.


كانت النملة على حق. حيث يتم هضمها بواسطة عصارة معدة الديناصور، فكانت قرون الاستشعار هي أول الأشياء التي فقدت. رأت دابا قرون استشعارها  قد تأكلت بالفعل. فقالت: "نحن بحاجة إلى الخروج من هنا".


'كيف؟ إنه بعيد جدًا! أجاب أحد النمل الآخر: "ليست لدينا القوة".


وأضاف آخر: "لا يمكننا الصعود - لقد تم هضم أقدامنا بالفعل".


عندها فقط لاحظت دابا أن قدميها الخمسة قد ذابت جزئيًا بواسطة عصارة المعدة. و لم تكن أقدام باقي زملائها أفضل حالًا.


قالت النملة الأولي  في أسف 'ليت فيضان اخر يأتي ليدفعنا خارجا '


بعثت كلماتها في دابا رجة في ادراكها، فنظرت اليها، وهي نملة جندية ذات زوج من الفك السفلي السام. صاحت دابا: "أيتها الحمقاء ، يمكنك أن تتسببي في فيضان آخر!"


حدقت النملة الي قائدة الحملة في ارتباك وحيرة

"قومي بعضه ، اجعليه يستفرغ"


استوعبة النملة الفكرة أخيرًا ، وبدأت على الفور في قضم جدار المعدة بوحشية. وسرعان ما مضغت العديد من الأهداب ، تاركة ثقوبًا عميقة في الجدار. ارتجف جدار المعدة بعنف ، ثم بدأ في التشنج والتواء. ارتفعت غابة الأهداب بشكل أكثر كثافة ، وكانت علامة واضحة على تقلص المعدة وأن الديناصور على وشك التقيؤ. بدأ بحر العصارة في الاهتياج وأخذ معه النمل. غمرهم البحر المتصاعد بسرعة ، وفي فترة زمنية قصيرة جدًا ، كان النمل الخمسة يندفعون على طول الطريق حتى المريء ، واكتسحوا برزخ اللسان ، وقذفوا عبر صفين من الأسنان ، منفيين في الهواء الطلق ، ليهبطوا علي العشب ساقطيين 


بمجرد أن تخلص المستكشفون الخمسة من بقعة القيء الزلقة ، وجدوا أنهم محاطون بسرب ضخم من النمل. جاء حشد من عدة مئات الآلاف للتعبير عن فرحتهم بعودة المستكشفين العظماء. بدأ عصر استكشاف جسد الديناصورات بشكل جدي ، وهو حقبة أثبتت أنها مهمة لفصيلة النمل بقدر عصر الاكتشافات بالنسبة للبشرية .

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري