الخيال العلمي.. الحلوى التي تغلف حبة الدواء!!



في سنة 1926تشجع شخص ما بدرجة كافية لنشر مجلة لأدب الخيال العلمي؛ كان اسم هذا المقدام هو هوجو جيرنزباك، واسم المجلة هو قصص مدهشة، وكانت أو ل مجلة باللغة الإنجليزية مخصصة بالكامل لأدب الخيال العلمي، وكانت الأولى في قصر محتواها القصصي، على قصص التقدير الاستقرائي العلمي ومغامرات الفضاء الخارجي ، والأولى أيضا التي تحاول تعريف هذا الجنس الأدبي.

كانت مسيرة هوجو جيرنزباك في النشر قد بدأت عام ،1908بدورية عنوانها الكهربائيات الحديثة، كمحاولة منه لإثارة فضول القراء، وتعليمهم أشياء عن التطورات الجديدة المتعلقة بالاتصالات الإلكترونية، وتحويل اهتمامهم إلى التفكير بشأن المستقبل. أعقبها بدورية مماثلة أسماها المختبر الكهربي، وأعاد تسميتها بـالعلم والاختراع في عام ،1920وفي أثناء ذلك كان قد نشر رواية مسلسلة بين عامي 1911 و ،1912تحت عنوان رالف 124سي + ،41حشدها بالتنبّؤات بشأن المستقبل، قبل أن يتوج مسيرته ويصدر مجلة الخيال العلمي الحقيقية الأولى في العالم، والتي جعلته عراب قصص الخيال العلمي الحديث.

كان الخيال العلمي كما تخيله جيرنزباك في مجلته، مشروعا تعليميا يهدف للترويج، ليس فقط للوسائل التقنية المتنوعة - ومن بينها أجهزة الراديو التي كان جيرنزباك يستوردها ويبيعها - بل لروح العلم والاختراع الكامنة وراء مثل هذه الأجهزة، ووسيلة لتسريب المحتوى العلمي للقراء وسط الفن القصصي الرائج، الذي اتخذ وقتها شكل التجربة المثيرة، ورواية الأسرار الغامضة، وقصة المغامرات البطولية.

وقد وضع جيرنزباك الشروط الأساسية لمجلته، ورأى أن أدب خياله العلمي الجديد نوع من (تغليف حبة الدواء بالحلوى،) وكانت معادلته % 75أدب منسوج في % 25علم، واستمر في إدارة هذا المزيج من الحقائق العلمية والمقالات الإرشادية وفن القصص المستقبلي.

وبحلول عام ،1929وفي افتتاحية العدد الأول لهذه السنة؛ دعت المجلة لوجود أمثلة أكثر من نوع القصص التي كتبها جول ڤيرن، وهربرت جورج ويلز، وإدجار ألان بو؛ قصص مغامرات ساحرة مختلطة بحقائق علمية ورؤية تنبؤية؛ تزودنا بالمعرفة التي قد لا نحصل عليها من طريق آخر في شكل مستساغ

الشعور بالعجب كان هو السرد الأساسي للسواد الأعظم من قصص المجلة الجديدة؛ كما توحي العناوين (العجاب - المدهش - العجب - ٍ المثير،) كما اعتمدت القصص في بواكيرها على تقديم اختراع مبتكر أو الوصول إلى مكان جديد ، والأسلوب كان بصفة رئيسية أسلوبا وصفيا، وتقريبا كانت كل القصص تنتهي إما بالسلام العالمي أو بتدمير الاختراع أو المخترع، وو ظف الانفجار بوصفه المعادل الأدبي في الخيال العلمي لعبارة: (واستقيظت وكأن ما حدث مجرد رؤيا في المنام.)

تأثر جيرنزباك بجول ڤيرن، وأقر بهذا الفضل بوضع صورة لقب ڤيرن الموجود في آمينيس على محتوى صفحات مجلته، كما ظهر هذا التأثّر جليا في التفاؤل البريء الذي وسم مرحلة جيرنزباك الأدبية.

وكان معظم كتاب أدب الخيال العلمي في هذه الفترة مبهورون بوجه عام بإمكانات العلم والاختراع، وبلغ التفاؤل بالمستقبل ذروته، فلقد ساهم ٍ العلم في إيجاد ثقة متنامية في أن كل مشكلات الجنس البشري التي لم تكن قد حلت بعد، قابلة للحل، إلى أن أحدثت الحرب العالمية الأولى تحررا من وهم الاعتقاد في التقدم، وجاء ذلك في قصص كتاب المرحلة اللاحقة على جيرنزباك، أمثال ألدوس هكسلي، وكارل تشابيك، وجورج أورويل.

واليوم تعدى أدب الخيال العلمي مرحلة التعبير عن مغامرات الإنسان والتفاؤل اللا محدود بما سنتوصل إليه في المستقبل، إلى معالجة المأزق الإنساني القائم بين وعد العلم بالسعادة المادية المطلقة من جهة، واستلبه - أو استلب النظم التي يعد بها - الحرية الفردية والذاتية الشخصية، وخلخلة القيم الإنسانية الروحية من جهة أخرى.

وبصفة عامة تم الاصطلح على اعتبار عام 1926البداية الحقيقية لأدب الخيال العلمي الحديث كفئة مستقلة بذاتها، وهذا اعتراف بفضل الرجل الذي يدين له الخيال العلمي باسمه وشكله الحديث.

وتقدير ا له خصصت ـ اعتبارا من عام 1955ـ جائزة ذات مكانة راقية، سميت باسم هوجو، تمنح سنويا لأفضل الإنجازات الروائية في الفئات العديدة المختلفة من روايات الخيال العلمي والفانتازيا

كتب المقال محمد خيري الخلال ونشر في مجلة تخيل الالكترونية عن منشورات ويلز اصدار يناير 2018

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري