«مشروع آدم» .. العودة إلى الماضي لإصلاح المستقبل








"الأولاد دوما يعودون من أجل أمهاتهم"، جملة شكلت إلهاما لولادة فيلم The Adam Project "مشروع آدم"، الذي تربع للأسبوع الثالث على التوالي على قائمة الأكثر مشاهدة على منصة "نتفليكس" في السعودية، الذي حمل بين أحداثه رسالة مؤثرة من ابن إلى والدته، متزامنا مع الاحتفال بمناسبة يوم الأم. تمثلت تلك الرسالة في الحوار الشيق والمؤثر بين بطل الفيلم ووالدته، حين قال لها "تظنين أنك تتصرفين بقوة من أجله، والمشكلة حين تبدين أنك تتمالكين نفسك، هي أنه يصدق ذلك، إنه لا يكرهك، بل يحبك أكثر مما يعرف".

يعد هذا الفيلم أحدث أفلام رايان رينولدز النجم الأمريكي، الذي كشف أن وفاة والده ألهمته في فيلمه الجديد، الذي جاء استكمالا لفيلمه Red Notice مع النجم دواين جونسون، الذي كان قد سجل أكثر فيلم مشاهدة في يوم افتتاحه على منصة البث العالمية. ويجتمع رينولدز، الذي اشتهر بأدائه شخصية Deadpool مجددا مع شون ليفي مخرج فيلمه السابق Free Guy لصنع مغامرة كوميدية أخرى، ترتكز هذه المرة على لقائه مع نفسه في حقبات زمنية متباعدة، وهو يسافر في الوقت والزمن من أجل إعادة المشاعر إلى المستقبل، ويعود إلى الماضي ممتطيا آلة الزمن، محاورا ومجادلا شخصه الآخر الصغير في زمن ماض.

تتمحور حبكة الفيلم حول طيار مقاتل من 2050، يدعى آدم ريد، اصطدم عن طريق الخطأ بالماضي، فيدخل في تحد مع نفسه البالغة 12 عاما في مهمة لإنقاذ المستقبل، ويركز الفيلم بشكل كبير على شخصية ريد، وهو صغير، حزينا على الموت المفاجئ لوالده قبل عام، لكنه دخل كراج منزله ذات ليلة ليجد طيارا مصابا مختبئا هناك، ومن ثم اكتشف أن هذا الطيار الغامض هو النسخة الجديدة لنفسه من المستقبل، الذي خاطر بكل شيء للعودة في الوقت المناسب في مهمة سرية. وبالتالي يجب أن يشرعا معا في مغامرة في الماضي للعثور على والدهما، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وإنقاذ العالم، وبالتالي يجب على الثنائي آدم الصغير والكبير أن يتعاملا مع فقدان والدهما، خاصة أن لديهما فرصة لمداواة الجروح التي شكلتهما.

يشارك في بطولة الفيلم مع ريان رينولدز كل من جينيفر جارنر، مارك رافالو، زوي سالدانا، وكاثرين كينر، هذا إلى جانب الطفل ووكر سكوبل، في أول ظهور له على الشاشة، الذي ينجح بشكل مثير للإعجاب في مضاهاة راينولدز، فهو لا يقوم بتقليد راينولدز بل إنه يقدم شخصيته بشكل طبيعي جدا لدرجة تجعلنا نتمكن من تخيله فعلا أنه الشخص نفسه الذي سيكبر ويصبح رايان راينولدز البالغ.

وعلى الرغم من أن النجم مارك روفالو لا يظهر إلا في النصف الثاني من الفيلم، إلا أن تأثيره في الشخصيات يظهر من البداية. وهو يلعب دور الأب الذي يضيع بين محاولة أن يقف إلى جانب ابنه من جهة، وبين كونه العالم العبقري الذي قد يغير المستقبل كله من جهة أخرى، وصراعه بين هذين الجانبين منه. ويتألق روفالو، الذي برع في شخصية البطل الأسطوري "هالك"، كعادته بأدائه المذهل، فيقدم لنا مشاهد مؤثرة جدا في حين، وأخرى مضحكة بشكل رائع في حين آخر، ما يجعل المشاهد يتمنى أن يظهر بشكل أبكر في الفيلم بدلا من جعله شخصية ثانوية.

أما من ناحية الإخراج والأكشن والمؤثرات البصرية الأخرى، فإن الفيلم كان رائعا، حيث قدم المخرج شوان ليفي المعروف بإخراج سلسلة أفلام Night at the Museum وReal Steel وArrival وبعض حلقاتStranger Things، قدم مشاهد قتالية رائعة سواء على الأرض باستخدام أسلحة مستقبلية مميزة مع تصميمات قتالية مدهشة، أو المعارك الجوية، حيث تتواجه الطائرات في معارك إطلاق نار مليئة بالأدرينالين، وحتى هناك مشهد مع طائرة من دون طيار يستخدم فيه آدم الصغير مهاراته العالية التي تعلمها من ألعاب الفيديو لمواجهة الأعداء، مع مواكبة تلك المشاهد بموسيقى تصويرية نابضة بالحياة، التي تجعل المشاهدين ينغمسون في الأحداث كما لو أنهم في قلب الفيلم.

يحمل الفيلم بين طيات مشاهده إشارات واضحة لأفلام الخيال العلمي والسفر عبر الزمن التي شهدناها في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. فيبدو جليا استلهام بعض مشاهده من أفلام تلك الحقبة مثل فيلم E. T "بدلا من الفضاء"، مع فكرة طفل يخفي عن والدته وجود شخص من المستقبل ويتعاون معه ليحقق أهدافه. كما استوحى المخرج فكرة السفر عبر الزمن من فيلم Back to The Future مع مسألة العودة إلى الماضي لتصحيح المستقبل والحاضر، وأخذ فكرة السيف المضيء من أفلام Star Wars. كما أن هناك لمسة من فيلم Guardians of The Galaxy من خلال كل تلك الأسلحة المستقبلية الملونة. لكن على الرغم من أنه يستلهم من تلك الأفلام كثيرا، إلا أنه تم إنتاج الفيلم بطريقة لا يبدو فيها استنساخ لها، إنما فقط بطريقة تثير الحنين إلى تلك الأفلام وتداعب مخيلة عشاق أفلام الخيال العلمي الممزوجة بحس الكوميديا.

يحمل الفيلم عديدا من العوامل التي أسهمت في نجاحه، منها قصر مدته، وأفكار الخيال العلمي المبتكرة ومشاهد الأكشن، إلى جانب خفة ظل ريان راينولدز والكيمياء بينه وبين النسخة الأصغر منه. كما أنه يعد فيلما حول العائلة وقيم الترابط الأسري، وافتقاد الأبناء التواصل مع آبائهم، واستغلال الوقت المتاح لهما في اللعب والحديث إلى جانب العمل.

كانت صحيفة "ذا جارديان" قد منحت الفيلم أربع نجوم، علما بأنه - بعيدا عن الحملات الدعائية التي تروج له - لا يتجاوز كونه فيلما عاديا، وفي الوقت عينه قام موقع Rotten Tomatoes بإعطائه التقييم نفسه، والسبب هو راين رينولدز نفسه، الذي يتميز بأسلوبه الجذاب والقادر على إنجاح أي فيلم، ما يؤكد صوابية اختياره كبطل، علما بأن هذا الفيلم كان من المفترض أن يلعب بطولته توم كروز في 2012. حينها، كان العمل من إنتاج شركة "باراماونت"، لكن، بعد عشرة أعوام، أصبح المشروع ملكا لـ"نتفليكس"، واختفى توم كروز من القائمة ليحل مكانه راين رينولدز، مع الإشارة إلى أنه حقق خلال يومين من عرضه نحو 92 مليون ساعة مشاهدة.



كتب المقال اميرة حماد في موقع الاقتصادية مارس 2022

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري