Everything Everywhere All at Once إحساس متجدد بالأمل






غزت الأكوان المتعددة رسمياً مشهد الثقافة السينمائية لدينا، وأصبحنا نرى فكرة البحث عن شخصيات من عوالم ووقائع بديلة في كل مكان، فمثلا نجد كون مارفل السينمائي والذي يحوي كون سبايدرمان المتعدد وكون أسغارد الواقع خارج عالمنا، وعلى نفس المنهج هناك كون دي سي السينمائي أيضا، وأكوان بديلة متعددة أخرى يصعب حصرها جميعا، وهنا بكمن السؤال: لماذا لجأنا إلى تلك الأكوان والعوالم في السينما؟، هل هو الهروب من واقع مؤلم؟، الإجابة هي: بالطبع عندما يكون الواقع قاتما في كثير من الأحيان، فإن الحصول على فرصة للهروب منه وإلقاء نظرة على عالم مختلف أمر جذاب جدا، ويجد Everything Everywhere All at Once تربة جديدة لزرع بذرة معقدة في هذه النظرة الجديدة على الفكرة التي تقدم فيلما غريبا، صادقا ومؤثرا.

إنه عمل فني حول التحديق في الهاوية، وتقييم الظلام من حولنا، ثم تفضيل اللطف على اليأس، ويقدم المشهد الافتتاحي عائلة وانغ كعائلة أميركية- صينية سعيدة من خلال مرآة، وذلك قبل القفز داخل المرآة المذكورة والكشف عن عائلة غير راضية ومفككة على الجانب الآخر، حيث تعيش إيفلين (ميشيل يو) في زواج غير سعيد مع زوج عنيد وساذج يدعى وايموند (كي هوي كوان) الذي يرى بشكل محبط الجانب المشرق في كل موقف ويقنعها بالانتقال إلى كاليفورنيا والعثور على حياة أفضل بعدما منع والدها المتسلط والمخيف غونغ غونغ (جيمس هونغ) زواجهما وتبرأ منها، لكن ما لا تعلمه إيفلين هو أن وايموند ليس سعيدا أيضا، إنه يخفي أوراق الطلاق التي يحاول أن يستجمع شجاعته ليعطيها إياها، وأخير وليس آخرا، بالرغم من أن اسم ابنة إيفلين هو جوي (ستيفاني هسو) والذي يعني الفرح، إلا أنها بعيدة كل البعد عن اسمها، مع عدم اعتراف إيفلين بعلاقة ابنتها الحميمة، هناك بئر عميقة من الإحباط الذي لم تتم مناقشته.

القشة الأخيرة التي لم يعد بإمكان إيفلين احتمالها في حياة مليئة بالحظ السيئ هي أن مغسلة الملابس خاصتها تخضع للتدقيق من قبل مصلحة الضرائب، مع نسخة بشرية شبيهة بشخصية روز في فيلم Monsters inc تؤديها جيمي لي كيرتس مع الكثير من الماكياج والإضافات الاصطناعية لدرجة أنها يمكن أن تنافس كولين فاريل بشخصية Penguin لكن يتعرض التدقيق للمقاطعة بسبب نداء طارئ يرجو إيفلين لإنقاذ الكون المتعدد بأكمله من الفناء عبر الاستفادة من مهارات ذواتها البديلة الأكثر إنجازا، ولكن لماذا هذه الإيفلين هي التي يجب أن تنقذهم جميعا؟ لأنها حرفيا الأقل إنجازا بينهن (هذه الفكرة تذكرنا بفيلم جيت لي The One، حيث تحتم على جيت لي فيه التخلص من كل ذواته البديلة في العوالم المتعددة) لأنها امرأة فشلت في كل هواية وحل وهدف حاولت إنجازه على الإطلاق.

تقدم ميشيل يو ما يمكن أن يكون أفضل أداء في حياتها المهنية حتى الآن كشخصية تمر بأزمة منتصف العمر العميقة، ولا تقوم فقط بعمل رائع بتصوير الفراغ في حياة إيفلين الأساسية، ولكنها تجعل كل واحدة من ذواتها البديلة تبدو فريدة بحد ذاتها وفي نفس الوقت يمكن التعرف عليها بالخيارات المختلفة التي يتخذنها.

يقر Everything Everywhere All at Once بشدة أنه بمجرد أن تبدأ بالتفكير في تلك الطرق التي لم تسلكها، بمجرد أن تستوعب كل شيء في حياتك، وفي كل مكان تذهب إليه، كل ذلك دفعة واحدة (كما يقول عنوانه)، فلا يوجد أمامك خيار سوى إدراك مدى عدم جدوى كل شيء.

هذا الفيلم يبدو أنه تم صنعه من قبل جيل الألفية الذين يرون العالم من حولهم ينهار، إنه يقدم مفارقة مؤلمة لا تظهر في خضم الجائحة فحسب، بل أيضا مع اشتداد الصراع السياسي العالمي، إنه مناسب بالمصادفة للفترة الزمنية الحالية التي نجد أنفسنا فيها، حتى لو أن صانعي الفيلم قاموا بذلك عن طريق الصدفة، حيث إن الأمر يتعلق بالتفكير في أن الأشياء يمكن أن تتغير للأفضل، بينما ندرك أن محاولة تغيير المستقبل الكئيب واليائس أمامنا أمر غير مثمر، ومع ذلك فإنه ليس حول فقدان الأمل، بل على العكس من ذلك، هو يقدم إحساسا متجددا بالأمل، حيث يتم تفضيل اللطف واللياقة على اليأس.

بالطبع يأتي هذا الفيلم من إخراج كل من دانيال كوان ودانيال شاينيرت، اللذين كانا أول فيلم أخرجاه معاً هو Swiss Army Man، لذا من المستحيل أن يكون هذا العمل مملاً، بل على العكس تماما، فـ Everything Everywhere All at Once مبهج ومثير بنفس المقدار ومليء بالأكشن الرائع، لقد اعتاد هذان المخرجان على استخدام حس الفكاهة المثيرة للاشمئزاز أحيانا لتوصيل أفكار عميقة ومعقدة، ويعج الفيلم بهذه الأفكار.

إنه فيلم نرى فيه مبنى مصلحة الضرائب مليئا بالكؤوس التي تحمل أشكالا غريبة يتم تقديمها للموظفين، فيلم تقوم فيه النكات حول فيلم ديزني Ratatouille بدفع الحبكة نحو الأمام، وكـــون يمكــن فيه للأشخاص الذين لديهم أصابع من النقانق أن يقدموا أحد أكثر المشاهد الرومانسية المؤثرة التي نراها في عمل خيالي.

لا تسيئوا الفهم، فهذا فيلم أكشن في المقام الأول، وأحد أفضل تلك الأفلام منذ سنوات، على الرغم من مدته التي تتجاوز ساعتين، إلا أنه لا يتوقف أبدا عن الحركة، حيث تعمل الكاميرا كامتداد لحالة قصور الانتباه وفرط الحركة التي يبدو أن إيفلين تعاني منها، ومن خلال الاستفادة من ذواتها البديلة، لا تكافح إيفلين فقط مع كيفية تحول حياتها، ولكن أيضا بالحصول على نظرة شبيهة بفيلم Millennium Actress عن حياتها في فصول من تساؤلات ماذا لو؟ التي تحتفل بمهنة يو المذهلة، كما أن الأكشن غير ممل أو مكرر إطلاقا، حيث ننتقل من نسخة من إيفلين التي هي خبيرة فنون قتالية إلى مغنية أوبرا إلى طاهية، وحتى حاملة لافتة دعائية، حيث يجد المخرجان مواقف فريدة لوضع كل مهارة غريبة قيد الاستخدام.

يعد Everything Everywhere All at Once بمنزلة احتفال بالسينما الآسيوية على نطاق واسع، مع إشارات مذهلة للجميع ابتداء من وونغ كار-واي، وصولا إلى ستيفن تشاو وجاكي تشان، وحتى القليل من ساتوشي كون، والنتيجة هي فيلم يبدو أنه يشمل كل شيء، في كل مكان، دفعة واحدة، فيلم بارز، الأمر مشابه لما حدث عندما أخذ The Matrix كل المخاوف والأفكار وقت ذاك وحولها إلى فيلم أكشن أنيق بأفكار عظيمة.

من سخرية القدر أن يكون Everything Everywhere All at Once من إنتاج اثنين من دعامات مارفل السابقين، الأخوان روسو، وبأنه يصدر في وقت ما زال فيه Spider-Man: No Way Home يعرض في دور السينما، لأنه مع إنتاجه بتكلفة ضئيلة جدا من ميزانية أفلام مارفل، فإن هذا العمل يقدم إنتاجا لأكوان متعددة أفضل بشكل لا حدود له من أي فيلم أبطال خارقين، ففي حين أن فكرة الكون المتعدد مثيرة بالتأكيد، إلا أن المسلسلات والأفلام ركزت حتى الآن في الغالب على إمكاناته الجامحة وواسعة النطاق.

تمكن المخرجان دانيال من استكشاف التداعيات المجرية الأكبر على هذا المفهوم، وفي نفس الوقت يروي أيضا قصة حميمة إلى حد ما حول الشعور بأن حياتنا لا تقود إلى أي مكان وأن العالم سيذهب إلى الجحيم، وفي نفس الوقت يركز على احتضان لحظات الفرح الصغيرة والتعامل بلطف مع من حولنا، فهذا فيلم لا يمكن صنعه إلا الآن، إنه يشمل كل شيء، لكن يمكن تقديره وفهمه في كل مكان، دفعة واحدة (كما يقول عنوانه).



نشر المقال في موقع النبأ مارس 2022

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري