أدب الديستوبيا .. استشراف سوداوي للمستقبل.. فما هو هذا الأدب؟

المقال من كتابة نور رجب ونشر في موقع حبر اونلاين ابريل 2021



ينظر أدب الدّيستوبيا إلى العالم من زاوية سوداء، لا تتوقّع الأمل أو الخير أو النّصر، وعليه يبني أحداثه بطريقة خياليّة.

ليس حديثاً شيوع هذا النّوع الأدبي في الرّوايات، ولكن ربّما سيشكّل العصر الحالي بتحدّياته وأزماته المحرّك لتنامي هذا النّوع أكثر على مستوى العالم.




تسمية ديستوبيا

تأتي تسمية ديستوبيا من تقابلها مع كلمة يوتوبيا، فكلمة يوتوبيا تعني المدينة الفاضلة، بينما ديستوبيا تعني المدينة الفاسدة.

استخدم كلمة ديستوبيا لأوّل مرّة “جون ستيورات” في أحد خطاباته البرلمانيّة لوصف سياسة الحكومة المتعلّقة بالأراضي الإيرلندية[1].

ومن هنا درجت تسمية الأعمال الأدبيّة الّتي تتناول الأنظمة الشّموليّة الفاسدة وتتوقّع مستقبلاً سيّئاً للعالم بالأدب الدّيستوبي.




أدب الدّيستوبيا وعناصره الفنيّة

تترجم كلمة أدب الدّيستوبيا تحت مسمّى أدب المدينة الفاسدة أو أدب نهاية العالم، ويعدّ من ضمن الأنواع الأدبيّة التّابعة لأدب الخيال العلمي لاعتمادها على عناصره الغرائبيّة في كثير من منطلقات أحداثها وشخوصها وأماكنها.

يقوم أدب الدّيستوبيا على تخيّل أنظمة حكم شموليّة تسيطر على كلّ مفاصل الحياة صغيرة وكبيرة، وتفرض قيودها على عامّة النّاس لتسييرهم كآلات إلى المستقبل، فتصوّر الرّواية ما الّذي سيحدث لو أنّ مثل هذه الأنظمة وجدت وحكمت وكيف ستكون نهاية العالم المأساوية.

تبرز في أدب الدّيستوبيا ملامح الشّر والخراب وانتشار للجهل والفقر مع تغييب للخير والعقل والعاطفة بشكل كامل.

حيث يتخيّل الكاتب مكاناً خبيثاً وسيّئاً تدور فيه أحداث روايته المعتمدة على منطق الخيال العلمي لاستشراف مستقبل الإنسان تحت سيطرة الحكم الشّمولي وأنظمته وغياب لعقله وعاطفته.




أهم أعمال أدب الدّيستوبيا في الأدب العالمي

على المستوى العالمي لمعت عدّة روايات من أدب الدّيستوبيا واحتلّت مكانة مهمّة في الأعمال الرّوائيّة عبر التّاريخ ومنها:




رواية 1984 لـ “جورج أورويل”

هذا العمل الأدبي من أشهر روايات أدب الدّيستوبيا على مستوى العالم، ويعتبر واحداً من أكثر الكتب تأثيراً في التّاريخ، تمّ نشره عام 1949 وبذلك يكون عام 1984 الّذي حملت الرّواية اسمه آنذاك مستقبلاً.

تحكي الرّواية قصّة نظام حكم سياسي في إحدى مقاطعات بريطانيا يلاحق أفراده الحريّة الفرديّة والتّفكير الحر والإبداع بوصفها جرائم فكر.

فتصوّر الرّواية ما الّذي يمكن أن يحصل لو حدث ذلك فعلاً وتجرّد الإنسان من حريّة فكره وإبداعه وصودرت أفكاره وتاريخه وجرى تحويرها لتتناسب مع سياسة الحكم.




رواية نحن لـ ” يفغيني زامياتين “

تحدّث الأديب الرّوسي يفغيني زامياتين في روايته، الّتي تعتبر من أوائل روايات أدب الدّيستوبيا، عن عالم يعيش وفق قوانين المنطق والرّياضيات فقط، حيث لا وجود للخصوصيّات أو الحياة الفرديّة.

نُشرت الرّواية عام 1926 ويظهر المكان فيها مبنيّاً بشكل شبه كامل من الزّجاج، كما يظهر الجميع متّحدون في الملابس والخطوات والأعمال باعتبارهم مجرّد أرقام، الذّكور يميّزهم العدد الفردي المسبوق بحرف ساكن، والإناث يميّزهم حرف العلّة الّذي يسبق أرقامهن.




رواية عالم جديد شجاع لـ “أدولف هكسلي”

نشرت الرّواية عام 1932 متحدّثة عن قضيّة فلسفيّة تتمثّل في الحريّة والسّعادة والخيار بينهما، ويصوّر هيمنة العلم على الإنسان وسيطرته عليه بشكل يفقده ححسّ الحريّة الفرديّة والقيمة الذّاتيّة.

فيصوّر الكاتب المجتمع قائماً على الاستنساخ والجينات وهندستها ليولد جيل بمواصفات محدّدة فيكون نخبة منفّذة أو موظّفة أو فئة الأعمال.

هذه الصّورة تجعل نهاية العالم سوداويّة في غياب العاطفة وغياب التّفكير والإبداع الفردي وغياب الاختلافات والفروق بين البشر الّتي تصنع مستقبلهم ونموّهم.




رواية فهرنهايت 451 لـ “راي برادبوري”

تحكي الرّواية عن مستقبل العالم بدون وجود الكتب، حيث يتخيّل الكاتب عالماً يمنع فيه تداول الكتب أو اقتناؤها، وعند العثور على كتب يتمّ حرقها.

فكيف سيكون شكل العالم الّذي يسير فيه الإنسان بدون الكتب، الأمر الّذي يرى الكاتب أنّه سيحدّ من التّفكير ويجعل الإنسان آلة لتنفيذ أوامر وضوابط معدّة مسبقاً دون التّفكير أو

التّأويل في مراميها وفوائدها.




أهم أعمال أدب الدّيستوبيا في العالم العربي

رواية حرب الكلب الثّانية لـ “إبراهيم نصر الله”

وقد فازت الرّواية بجائزة البوكر للرّواية العربيّة في دورتها الحادية عشرة، وتتحدّث الرّواية عن عالم تسود فيه الوحشيّة والمادّيّة ويتجرّد فيه الإنسان من قيمه الأخلاقيّة ليصبح

كلّ شيء مباحاً حتّى بيع أرواح النّاس.




رواية في ممرّ الفئران لـ “أحمد خالد توفيق”

يحكي الأديب عن بطله الّذي يدخل في غيبوبة ويينتقل بشكل غرائبي إلى عالم آخر مظلم ومتعفّن بسبب انحجاب الشّمس عن الأرض بعد سقوط نيزك كبير عليها.

ويمتلىء هذا العالم بالجهل والخرافات الّتي باتت محور الحياة الأساسي للنّاس، ويحاول البطل هنا بمساعدة مجموعة من الشّباب استعادة الضّوء باعتباره حقّ للجميع.




رواية “حارس سطح العالم لـ”بثينة العيسى”

تستوحي الرّواية بشكل أساسي من رواية فهرنهايت 451 حيث تدور حول منع الكتب وتداولها، وتشديد الرّقابة عليها.

وتقوم الفكرة الرّئيسة على كبح المخيّلة الفرديّة وكبح التّأويل، ليطفو الفكر على سطحيّة تافهة لا معنى لها، ويعيش العالم في ظلام وجهل يحوّله إلى إنسان آلي ينفّذ أفكار النّظام

الحاكم باعتباره الأنسب والأضمن لحياته.




وتطول قائمة الرّوايات عربيّاً وعالميّاً، ليشكّل هذا الأدب حيّزاً مهمّاً في مجال الأنواع الرّوائيّة، ولكن ربّما لم يأخذ حقّه بعد على طاولة النّقد والتّحليل وأدواته.

Comments

Popular posts from this blog

ماذا ينقص الخيال العلمي العربي ليصبح مرآة مستقبلية؟

ترجمة الفصل الثالث من رواية بوابة المالا نهاية ل مايك كاري